الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين أما بعد:
▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ
✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ واعْلَمْ أنَّ تَفْسِيرَ المَعِيَّةِ بظَاهِرِهَا عَلَى الحَقيقَةِ اللَّائِقَةِ باللهِ تَعَالَى لَا يُنَاقِضُ مَا ثَبَتَ مِنْ عُلُوِّ اللهِ تَعَالَى بذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
← الأَوَّلُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَـعَ بَيْنَهُـمَا لنَفْسِهِ في كِتَابِـهِ المُبينِ المُنزَّهِ عَنِ التَّنَاقُـضِ، وَمَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا في كِتَابِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، وكُلُّ شَيْءٍ فِي القُرْآنِ تَظُنُّ فِيهِ التَّناقُضَ فِيمَا يَبدُو لَكَ فَتدبَّرْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ، لقَولِهِ تعَالَى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، فإنْ لَمْ يتبيَّنْ لَكَ فعَلَيْكَ بطَريقِ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ الَّذِينَ يقُولُونَ: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:٧]، وَكِلِ الأمْرَ إلى مُنزِّلِهِ الَّذِي يَعلَمُهُ، واعْلَمْ أنَّ القُصُورَ في عِلْمِكَ أَوْ فِي فَهْمِكَ، وأَنَّ القُرآنَ لَا تَنَاقُضَ فِيهِ.
☜ وإِلَى هذا الوَجْهِ أَشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ فِي قَولِهِ فِيمَا سَبَقَ: «كَمَا جَمَعَ اللهُ بينَهُمَا» وكذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ -كَمَا فِي ❪مُخْتَصر الصَّواعِقِ❫ لابنِ المَوصليِّ صـ❪٤١٠❫ ط. الإمام- فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ عَلَى المِثَالِ التَّاسِعِ ممَّا قِيلَ: إنَّهُ مَجَازٌ، قَالَ: «وَقَدْ أخْبَرَ اللهُ أنَّهُ مَعَ خَلقِهِ مَعَ كَونِهِ مُستَويًا عَلَى عَرْشِهِ، وقَرَنَ بَيْنَ الأمرَينِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: -وذَكَرَ آيَةَ سُورَةِ الحَدِيدِ- ثُمَّ قَالَ: فأَخْبَرَ أنَّهُ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ، وأنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ، وأنَّهُ مَعَ خَلْقِهِ يُبصِرُ أعمَالَهُمْ مِنْ فَوقِ عَرْشِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الأَوْعَالِ: «وَاللهُ فَوْقَ العَرْشِ يَرَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»، فعُلُوُّه لَا يُناقِضُ معيَّتَهُ، ومَعيَّتُهُ لَا تُبْطِلُ عُلُوَّه، بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ» اﻫ.
▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ
← الوَجْهُ الثَّاني: أَنَّ حَقيقَةَ مَعْنَى المعيَّةِ لَا يُناقِضُ العُلوَّ، فالاجْتِمَاعُ بينَهُمَا مُمكِنٌ في حَقِّ المَخْلُوقِ، فإِنَّهُ يُقَالُ: «مَا زِلْنَا نَسِيرُ والقَمَرُ مَعَنَا»، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا، وَلَا يَفْهَمُ مِنْهُ أحَدٌ أَنَّ القَمَرَ نَزَلَ فِي الأَرْضِ، فإِذَا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا في حَقِّ المخْلُوقِ فَفِي حقِّ الخَالِقِ المُحيطِ بكُلِّ شَيْءٍ -مَعَ عُلوِّهِ سُبْحَانَهُ- مِنْ بَابِ أَوْلَى، وذَلِكَ لأَنَّ حقيقَةَ المَعيَّة لا تَسْتلزِمُ الاجتِمَاعَ في المكَانِ.
↫ وإِلَى هذا الوَجْهِ أشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪الفَتْوَى الحَمَويَّة❫ صـ❪١٠٣❫ المُجلَّد الخَامِسِ مِنْ ❪مَجْمُوعِ الفَتَاوَى❫ لابنِ قَاسِمٍ، حيْثُ قَالَ: «وذَلِكَ أنَّ كَلِمَةَ ❪مَعَ❫ فِي اللُّغَةِ إذَا أُطلِقَتْ، فلَيْسَ ظَاهِرُهَا في اللُّغَةِ إلَّا المُقارَنَةَ المُطلَقَةَ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ مماسَّة أَوْ مُحَاذَاةٍ عَنِ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فإذَا قُيِّدَتْ بمَعْنًى مِنَ المعَانِي دلَّتْ عَلَى المُقارنَةِ في ذَلِكَ المَعْنَى، فإنَّهُ يُقَالُ: «مَا زِلْنَا نَسِيرُ والقَمَرُ مَعَنَا» أَوْ: «وَالنَّجْمُ مَعَنَا» ويُقَالُ: «هذا المتَاعُ مَعِي»؛ لمُجَامَعَتِهِ لَكَ وإنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِكَ.
☜ فَاللهُ مَعَ خَلْقِهِ حَقيقَةً، وهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ حَقيقَةً» اﻫ، وصدَقَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى؛ فَإنَّ مَنْ كَانَ عَالمًا بِكَ، مُطَّلِعًا عَلَيْكَ، مُهيمِنًا عَلَيْكَ، يَسْمَعُ مَا تَقُولُ، ويَرَى مَا تَفْعَلُ، ويُدَبِّر جَمِيعَ أُمُورِكَ، فَهُوَ مَعَكَ حقيقَةً وإِنْ كَانَ فَوقَ عَرشِهِ حقيقَةً؛ لأَنَّ المَعيَّةَ لَا تَستَلْزِمُ الاجْتِمَاعَ فِي المكَانِ.
▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ
✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ
← الوَجْهُ الثَّالِثُ: أنَّهُ لَوْ فُرِضَ امْتِنَاعُ اجتِمَاع المَعيَّةِ والعُلُوِّ فِي حَقِّ المخْلُوقِ لَمْ يلْزَمْ أَنْ يكُونَ ذَلِكَ مُمتَنِعًا في حَقِّ الخَالِقِ الَّذِي جَمَعَ لنَفْسِهِ بينَهُمَا؛ لأَنَّ اللهَ تعَالَى لَا يُماثِلُهُ شَيْءٌ مِنْ مخْلُوقَاتِـهِ، كَـمَا قَـالَ تعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].
☜ وإلَى هذا الوَجْهِ أشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪العَقِيدَة الوَاسطيَّة❫ صـ❪١٤٣❫ جـ❪٣❫ من ❪مجمُوعِ الفَتَاوَى❫، حيْثُ قَالَ: «وَمَا ذُكِرَ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُربِهِ ومَعيَّتِهِ لَا يُنافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وفَوقيَّتِهِ؛ فإِنَّهُ سبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّهِ، قَريبٌ فِي عُلوِّهِ» اﻫ.
➢ تتِمَّةٌ: انقْسَمَ النَّاسُ في مَعيَّةِ اللهِ تعَالَى لخَلْقِهِ ثَلَاثَةَ أقْسَامٍ:
← القِسْمُ الأوَّلُ: يقُولُونَ: إنَّ مَعيَّةَ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ مُقْتَضَاهَا العِلْمُ والإحَاطَةُ فِي المَعيَّةِ العَامَّةِ، ومَعَ النَّصْرِ والتَّأييدِ فِي المَعيَّةِ الخَاصَّةِ، مَعَ ثُبُوتِ عُلُوِّهِ بذَاتِهِ، واستِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وهَؤُلاءِ هُمُ السَّلَفُ، ومَذْهَبُهُمْ هُوَ الحَقُّ، كَمَا سَبَقَ تقْريرُهُ.
← القِسْمُ الثَّانِي: يقُولُونَ: إِنَّ مَعيَّةَ اللهِ لخَلْقِهِ مُقْتَضَاهَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ فِي الأَرْضِ، مَعَ نَفْيِ عُلوِّهِ واستِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وهؤُلاءِ هُمُ الحُلوليَّةُ مِنْ قُدمَاءِ الجَهميَّةِ وغَيرِهِمْ، ومذهَبُهُمْ بَاطِلٌ مُنْكَرٌ، أجْمَعَ السَّلفُ عَلَى بُطلَانِهِ وإنكَارِهِ، كَمَا سَبَقَ.
← القِسْمُ الثَّالِثُ: يقُولُـونَ: إنَّ معيَّةَ اللهِ لخَلْقِهِ مُقتَضَاهَا أَنْ يكُـونَ مَعَهُمْ فِي الأَرْضِ، مَعَ ثُبُوتِ عُلوِّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ، ذَكَرَ هذا شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ صـ ❪٢٢٩❫ جـ❪٥❫ مِنْ ❪مجْمُوعِ الفَتَاوَى❫، وقَدْ زَعَمَ هَؤُلاءِ أنَّهُم أخَذُوا بظَاهِرِ النُّصُوصِ فِي المَعيَّةِ والعُلُوِّ، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَضَلُّوا؛ فإِنَّ نُصُوصَ المعيَّةِ لَا تَقْتَضِي مَا ادَّعَوهُ مِنَ الحُلُولِ؛ لأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَا يُمكِنُ أَنْ يكُونَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللهِ ورَسُولِهِ بَاطِلًا.
▣ تَنْبِيهٌ حَوْلَ تَفْسِيرِ السَّلَفِ لمَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ: بأَنَّهُ مَعَهُمْ بعِلْمِهِ.
✾ قَالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
◉ تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلَفِ لمَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِـهِ: بأَنَّـهُ «مَعَهُمْ بعِلْمِهِ» لَا يَقْتَضِي الاقْتِصَارَ عَلَى العِلْمِ، بَلِ المَعيَّةُ تَقْتَضِي أيْضًا إحَاطَتَهُ بهِمْ سَمْعًا، وَبَصَرًا، وقُدْرَةً، وتَدْبِيرًا، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي رُبوبيَّتِهِ.
◉ تَنْبِيهٌ آخَرُ: أشَرْتُ فِيمَا سَبَقَ إِلَى أَنَّ عُلوَّ اللهِ تَعَالَى ثَابِتٌ بالْكِتَابِ، والسُّنَّةِ، والعَقْلِ، والفِطْرَةِ، والإجمَاعِ.
⭘ أمَّا الكِتَابُ فَقَـدْ تَنَوَّعَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فتَارَةً بلَفْـظِ العُلـوِّ، والفَوقيَّةِ، والاستَـوَاءِ عَلَى العَرْشِ، وكَـونِهِ في السَّماءِ؛ كقَـولِهِ تعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة:٢٥٥]، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام:١٨]، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك:١٦].
⭘ وتَارَةً بلَفْظِ صُعُودِ الأشيَاءِ وعُروجِهَا ورَفْعِهَا إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج:٤] ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران:٥٥].
⭘ وتَارَةً بلَفْظِ نُزُولِ الأشيَاءِ مِنْهُ، ونَحْوِ ذَلِكَ، كقَولِهِ تعَالَى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ﴾ [النحل:١٠٢]، ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة:٥].
▣ تَنْبِيهٌ حَوْلَ تَفْسِيرِ السَّلَفِ لمَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ: بأَنَّهُ مَعَهُمْ بعِلْمِهِ
✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
⭘ وأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ بأنْوَاعِهَا: القَوليَّةُ، والفِعليَّةُ، والإقرارَيَّةُ، فِي أحَادِيثَ كَثِيرَةٍ تَبْلُغُ حَدَّ التَّواتُرِ، وَعَلَى وُجُوهٍ مُتنوِّعَةٍ؛ كَقَوْلِهِ ﷺ فِي سُجُودِهِ: «سُبْحَان رَبِّيَ الْأَعْلَى»[1]، وقَولِهِ: «إِنَّ اللهَ لمَّا قَضَى الخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي»[2]، وقولِهِ: «أَلَا تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ؟!»[3].
✑ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى المِنْبرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ يقُولُ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»[4]، وَأنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّماءِ وَهُوَ يخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وأدَّيْتَ ونَصَحْتَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»[5]، وأنَّهُ قَالَ للجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّماءِ. فأَقرَّهَا، وقَالَ لسَيِّدِهَا: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[6].
⭘ وأمَّا العَقْلُ فَقَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ صِفَةِ الكَمَالِ للهِ تَعَالَى، وتَنْزِيهِهِ عَنِ النَّقْصِ، والعُلوُّ صِفَةُ كمَالٍ، والسُّفْلُ نَقْص، فوَجَبَ للهِ تعَالَى صِفَةُ العُلوِّ، وتَنْزِيهُهُ عَنْ ضِدِّهِ.
⭘ وأمَّا الفِطْرَةُ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى عُلوِّ اللهِ تعَالَى دَلَالَةً ضَروريَّةً فِطْريَّةً، فَمَا مِنْ دَاعٍ أَوْ خَائِفٍ فَزِعَ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى إلَّا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ ضَرورَةَ الاتِّجَاهِ نَحْوَ العُلوِّ، لَا يَلْتَفِتُ عَنْ ذَلِكَ يَمْنَةً ولا يَسْرَةً.
⭘ وأَمَّا الإجْمَاعُ فَقَدْ أجْمَعَ الصَّحَابَةُ والتَّابِعُونَ والأئِمَّةُ عَلَى أَنَّ اللهَ تعَالَى فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، مُستَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وكَلَامُهُمْ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ نَصًّا وظَاهِرًا، قَالَ الأَوزَاعيُّ: «كُنَّا -والتَّابِعُونَ مُتَوافِرُونَ- نَقُولُ: إنَّ اللهَ -تعَالَى ذِكْرُهُ- فَوْقَ عَرْشِهِ، ونُؤمِنُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الصِّفَاتِ»[7]، وَقَدْ نَقَلَ الإجمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْم، وَمُحَالٌ أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ خِلَافٌ، وَقَدْ تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الأدِلَّةُ العَظِيمَةُ الَّتِي لَا يُخَالِفُهَا إلَّا مُكابِرٌ طُمِسَ عَلَى قَلْبِهِ، واجْتَالَتْهُ الشَّياطِينُ عَنْ فِطْرَتِهِ، نسأَلُ اللهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ والعَافِيَةَ.
☜ فعُلوُّ اللهِ تَعَالَى بذَاتِهِ وصِفَاتِهِ مِنْ أَبْيَنِ الأشْيَاءِ وأظْهَرِهَا دَلِيلًا، وَأَحَقِّ الأشْيَاءِ وأثباتها واقعا
[1]- أخرجه مسلم❪٧٧٢❫.
[2]- أخرجه البخاري❪٣١٩٤❫، ومسلم❪٢٧٥١❫.
[3]- أخرجه البخاري❪٤٣٥١❫، ومسلم❪١٠٦٤❫.
[4]- أخرجه البخاري❪١٠١٤❫، ومسلم ❪٨٩٧❫.
[5]- أخرجه مسلم❪١٢١٨❫.
[6]- أخرجه مسلم❪٥٣٧❫.