وهذه المقالات في أسماء الله وصفاته على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم
فقد أنقلت كل المعلومات من الكتب السلف من العاصرين وغيرهم✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ المِثَالُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَولُهُ ﷺ فِيمَا يَرْويهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»، وهذا الحَدِيثُ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي كِتَابِ الذِّكْرِ والدُّعَاءِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُريرَةَ أيْضًا، وَكَذَلِكَ رَوَى البُخاريُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ التَّوحِيدِ، البَابِ الخَامِسَ عَشَرَ ❪⦁❫.
❪⦁❫ أمَّـا حديث أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فأخرجه مسلم في ڪتاب الذڪر والدعاء، باب الحث على ذڪر الله تعالى، رقم ❪٢٦٨٧❫.
❪⦁❫ وأمَّا حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فأخرجه البخاري في ڪتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾، رقـم ❪٧٤٠٥❫، ومسلم في ڪـتاب الـذڪـر والـدعـاء، باب الحث على ذڪر الله تعالى، رقم ❪٢٦٧٥ / ٢❫.
↫ وَهذَا الحَدِيثُ كغَيرِهِ مِنَ النُّصوصِ الدَّالَّةِ عَلَى قِيَامِ الأفْعَالِ الاختِيَاريَّةِ باللهِ تَعَالَى، وأنَّهُ سُبْحَانَهُ فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِثْلُ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، وقَوْلِهِ: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢]، وقولِهِ: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام:١٥٨]، وقولِهِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]،وقولِهِ ﷺ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِـرُ»، وقولِـهِ ﷺ: «مَا تَصَـدَّقَ أَحَدٌ بصَدَقَـةٍ مِنْ طَيِّبٍ -وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ- إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ».
[ أخرجه البخاري في ڪتاب الزڪاة، باب الصدقة من ڪسب طيب، رقم ❪١٤١٠❫، ومسلم في ڪتاب الزڪاة، باب قبول الصدقة من الڪسب الطيب، رقم ❪١٠١٤❫ من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه].
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى قِيَامِ الأَفْعَالِ الاختِيَاريَّةِ بِهِ تَعَالَى، فَقَولُهُ فِي هذا الحَدِيثِ: «تَقَرَّبْتُ مِنْهُ»، و«أَتَيْتُهُ هَرْولَةً» مِنْ هذا البَابِ.
☜ والسَّلَفُ (أهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ) يُجْرُونَ هَذِهِ النُّصُوصَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحقيقَةِ مَعْنَاهَا اللَّائِقِ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ تَكْييفٍ، وَلَا تَمْثِيلٍ.
✑ قَــالَ شَيْـخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪شَرْحِ حَدِيثِ النُّزولِ❫ صـ❪٤٦٦❫ جـ❪٥❫ مـن ❪مَجْمُـوعِ الـفَتَـاوَى❫: «وَأَمَّا دُنوُّهُ نَفْسه وتَقَرُّبُهُ مِنْ بَعْضِ عبَادِهِ فهذا يُثبِتُهُ مَنْ يُثْبِتُ قِيَامَ الأفْعَالِ الاختيَاريَّةِ بنَفْسِهِ، ومَجِيئهُ يَومَ القِيامَةِ، ونُزُولَهُ، واستِوَاءهُ عَلَى العَرْشِ، وهذا مَذْهَبُ أئمَّةِ السَّلَفِ وأئمَّةِ الإسلَامِ المَشهُورينَ وَأَهْلِ الحَدِيثِ، والنَّقْلُ عَنْهُمْ بذَلِكَ مُتَواتِرٌ» اﻫ، فـأيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ مِنَ القَولِ بأَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ عَبْدِهِ كَيْفَ يَشَاءُ مَعَ عُلوِّهِ؟! وأيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ مِنْ إتيَانِهِ كَيْفَ يَشَاءُ بدُونِ تَكْييفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ؟! وهَلْ هذا إلَّا مِنْ كَمَالِهِ أَنْ يكُونَ فَعَّالًا لِمَا يُريدُ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ به.
✾ وَصَلْنَا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ-:
↫ وَذَهَبَ بعضُ النَّاسِ إِلَى أنَّ قَوْلَهُ تعَالَى فِي هذا الحَدِيثِ القُدسيِّ: «أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» يُرادُ بِهِ سُرعَةُ قَبولِ اللهِ تَعَالَى وإقبَالِهِ عَلَى عبدِهِ المُتقرِّبِ إلَيْهِ، المُتوجِّهِ بقَلْبِهِ وجَوارِحِهِ، وأنَّ مُجَازَاةَ اللهِ للعَامِلِ لَهُ أكْمَلُ مِنْ عَمَلِ العَامِلِ، وعَلَّلَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي الحَدِيثِ: «وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي»، وَمِنَ المعْلُومِ أنَّ المُتقرِّبَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،، الطَّالبَ للوُصولِ إلَيْهِ، لَا يتقرَّبُ ويطلُبُ الوُصولَ إلَى اللهِ تعَالَى بالمَشْيِ فقَطْ، بَلْ تَارَةً يكُونُ بالمَشْي، كالسَّيرِ إِلَى المَسَاجِدِ، ومَشَاعِرِ الحَجِّ، والجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ونَحْوِهَا، وتَارَةً بالرُّكوعِ والسُّجودِ ونحوِهِمَا، وَقَدْ ثبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ⋆.
⋆ [ أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم (٤٨٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ].
• بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّقرُّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وطَلَبُ الوُصُولِ إلَيْهِ والعَبْدُ مُضطجِعٌ عَلَى جَنْبِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران:١٩١]، وقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لعِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»⋆.
⋆ [أخرجه البخاري في كتاب التقصير، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، رقم (١١١٧) ].
⦁ قَالَ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ المُرادُ بالحَدِيثِ بَيَانَ مُجَازَاةِ اللهِ تعَالَى العَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ، وأَنَّ مَن صَدَقَ فِي الإقْبَالِ عَلَى رَبِّهِ -وإِنْ كَانَ بَطِيئًا- جَازَاهُ اللهُ تعَالَى بأكْمَلَ مِنْ عَمَلِهِ وأفْضَلَ، وَصَارَ هذا هُوَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ بالقَرينَةِ الشَّرعيَّةِ المفهُومَةِ مِنْ سِيَاقِهِ، وإذَا كَانَ هذا ظَاهِرَ اللَّفظِ بالقَرينَةِ الشَّرعيَّةِ لَمْ يَكُنْ تَفْسيرُهُ بِهِ خُروجًا بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَلَا تَأْويلًا كَتَأويلِ أَهْلِ التَّعْطِيلِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُمْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وللهِ الحَمْدُ، ومَا ذَهَبَ إلَيْهِ هذا القَائِلُ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظرِ، لَكِنَّ القَوْلَ الأوَّلَ أظْهَرُ وأَسْلَمُ، وأليَقُ بمَذْهَبِ السَّلفِ.
❍ ويُجَابُ عمَّا جَعَلَهُ قرينَةً مِنْ كَوْنِ التَّقرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وطَلَبِ الوُصُولِ إِلَيْهِ، لا يَختَصُّ بالمَشْي: بأَنَّ الحَدِيثَ خَرَجَ مَخْرَجَ المِثَالِ، لَا الحَصْرِ، فيَكُونُ المَعْنَى: مَنْ أَتَانِي يَمْشِي فِي عِبَادَةٍ تَفْتَقِرُ إِلَى المَشْيِ؛ لتَوقُّفِهَا عَلَيْهِ بكَوْنِهِ وسِيلَةً لَهَا، كَالمَشْي إِلَى المَسَاجِدِ للصَّلاةِ، أَوْ مِنْ مَاهيتِهَا كالطَّوافِ والسَّعْيِ، واللهُ تَعَالَى أعْلَمُ.
✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ المثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَـولُـهُ تعَالَـى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس:٧١].
❍ والجَوابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ وحقِيقَتُهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّهَا صُرِفَتْ عَنْهُ؟ هَلْ يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَـقَ الأنْعَامَ بِيَدِهِ كَـمَا خَلَـقَ آدَمَ بِيَدِهِ؟
� أَوْ يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الأنْعَامَ كَمَا خَلَقَ غَيرَهَا، لَمْ يَخلُقْهَا بِيَدِهِ، لكـن إضَافَة العَمَلِ إِلَى اليَدِ -والمُرادُ صَاحِبُها- مَعرُوفٌ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القُرآنُ الكَرِيمُ؟
⭘ أمَّا القَولُ الأوَّلُ فلَيْسَ هُوَ ظَاهِرَ اللَّفظِ؛ لوَجْهَينِ:
• أحدُهُما: أَنَّ اللَّفظَ لَا يَقْتَضِيهِ بمُقْتَضَى اللِّسانِ العربيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ القُرآنُ، أَلَا تَـرَى إِلَى قَـولِهِ تعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى:٣٠]، وقَولِهِ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:٤١]، وقَولِهِ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران:١٨٢]، فإنَّ المُرادَ: مَا كَسَبَهُ الإنسَانُ نفسُهُ ومَا قدَّمَهُ، وإِنْ عَمِلَهُ بغَيرِ يَدِهِ، بخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: عَمِلْتُهُ بِيَدِي، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ [البقرة:٧٩]، فإنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُباشَرَةِ الشَّيءِ باليَدِ.
• الثَّاني: أنَّهُ لَوْ كَانَ المُرَادُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الأنْعَامَ بِيَدِهِ لَكَانَ لفْظُ الآيَةِ: خَلَقْنَا لَهُمْ بأيدِينَا أنْعَامًا، كَمَا قَالَ اللهُ تعَالَى فِي آدَمَ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥]؛ لأَنَّ القُرآنَ نَزَلَ بالبَيَانِ، لَا بالتَّعمِيَةِ؛ لقَوْلِهِ تعَالَى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:٨٩].
☜ وإذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ القَوْلِ الأَوَّلِ تَعيَّن أَنْ يكُونَ الصَّوابُ هُوَ القَوْلَ الثَّانِيَ، وَهُوَ: أنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الأنْعَامَ كَمَا خَلَقَ غَيرَهَا، وَلَمْ يَخْلُقْهَا بِيَدِهِ، لَكِنَّ إضَافَةَ العَمَلِ إِلَى اليَدِ كَإِضَافَتِهِ إِلَى النَّفْسِ بمُقْتَضَى اللُّغةِ العَربيَّةِ، بخِلَافِ مَا إِذَا أُضِيفَ إِلَى النَّفْسِ، وَعُدِّيَ بالبَاءِ إِلَى اليَدِ، فتَنَبَّهْ للفَرْقِ؛ فَإِنَّ التَّنبُّهَ للفُرُوقِ بَيْنَ المُتشَابِهَاتِ مِنْ أَجْودِ أنْوَاعِ العِلْمِ، وَبِهِ يزُولُ كَثِيرٌ مِنَ الأساوس
صِفَاتِ اللهِ تعَالَى
✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ المِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قولُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح:١٠].
❍ والجَوابُ: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الآيَةُ تضمَّنَتْ جُمْلَتَينِ:
◘ الجُمْلَةُ الأُولَى: قَولُهُ تعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح:١٠]، وَقَدْ أَخَذَ السَّلَفُ أهْلُ السُّنَّةِ بظَاهِرِهَا وحَقِيقَتِهَا، وَهِيَ صَريحَةٌ فِي أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُبَايعُونَ النَّبِيَّ ﷺ نَفْسَهُ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح:١٨]، ولَا يُمكِنُ لأَحَدٍ أَنْ يَفْهَمَ مِنْ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّٰهَ ﴾ أنَّهُمْ يُبَايِعُونَ اللهَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ؛ لمُنافَاتِهِ لأَوَّلِ الآيَةِ والوَاقِعِ، واسْتحَالَتِهِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى.
➢ وإِنَّما جَعَلَ اللهُ تَعَالَى مُبايَعَةَ الرَّسُولِ ﷺ مُبايعَةً لَهُ؛ لأَنَّهُ رَسُولُهُ، وقَدْ بَايَعَ الصَّحَابَة عَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، ومُبايعَةُ الرَّسولِ عَلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ مَنْ أرْسَلَهُ مُبايعَةٌ لِمَنْ أَرْسَلَهُ؛ لأَنَّهُ رَسُولُهُ المُبلِّغُ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ طَاعَةٌ لِمَنْ أَرْسَلَهُ؛ لقَولِهِ تعَالَى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّٰهَ ﴾ [النساء:٨٠]، وَفِي إِضَافَةِ مُبايَعَتِهِمُ الرَّسُولَ ﷺ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ تَشْريفِ النَّبِيِّ ﷺ وتَأييدِهِ، وتَوكِيدِ هَذِهِ المُبايعَةِ وعِظَمِهَا، ورَفْعِ شَأنِ المُبايَعِينَ، مَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ.
◘ الجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ: قَولُهُ تعَالَى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح:١٠]، وَهَذِهِ أيضًا عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَقيقَتِهَا، فَإِنَّ يَدَ اللهِ تعَالَى فَوْقَ أيْدِي المُبايعِينَ؛ لأَنَّ يدَهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوقَهُمْ عَلَى عَرْشِهِ، فَكَانَتْ يَدُهُ فَوْقَ أيدِيهِمْ، وهذا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وحقيقَتُهُ، وهُوَ لتَوكِيدِ كَوْنِ مُبايعَةِ النَّبِيِّ ﷺ مُبايَعَةً للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ تكُونَ يدُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا مُباشِرَةً لأيدِيهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا مَعَ أنَّهَا مُبايِنَةٌ لَنَا، بَعِيدَةٌ عَنَّا، فَيَدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ أيدِي المُبايعينَ لرَسُولِهِ ﷺ مَعَ مُبايَنَتِهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ، وعُلوِّهِ عَلَيْهِمْ.
❍ وَلَا يُمكِنُ لأَحَدٍ أَنْ يَفْهَمَ أَنَّ المُرادَ بقَولِهِ: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ يَدُ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا أَنْ يدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَضَافَ اليَدَ إِلَى نَفْسِهِ، ووَصَفَهَا بأَنَّهَا فَـوْقَ أيدِيهِمْ، وَيَدُ النَّبِيِّ ﷺ عنْدَ مُبايعَةِ الصَّحابَةِ لَمْ تَكُنْ فَـوْقَ أيدِيهِمْ، بَلْ كَانَ يَبْسُطُها إِلَيْهِمْ، فَيُمسِكُ بأَيْدِيهِمْ كَالمُصافِـحِ لَهُمْ، فيَدُه مَعَ أيدِيهِمْ، لَا فَـوْقَ أيدِيهِمْ.
✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ المثَالُ الخَامِسَ عَشَرَ: قولُهُ تعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدسيِّ: «يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ، فَلَمْ تَعُدْنِي...» الحَدِيثَ.
☜ وهذا الحَدِيثُ رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي (بَابِ فَضْلِ عِيادَةِ المَريضِ)، مِنْ كِتَابِ البِرِّ والصِّلَةِ والآدَابِ (رقم٤٣ صـ١٩٩٠/ تَرتِيب محمَّد فُؤاد عَبْد البَاقِي)، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ، فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ، فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟
• يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ، فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ! كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟! قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي».
[أخرجه مسلم في ڪتاب البر والصلة، باب فضل عيادة المريض، رقم (٢٥٦٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
❍ والجَوابُ: أَنَّ السَّلَفَ أخَذُوا بهذا الحَدِيثِ، وَلَمْ يَصْرِفُوهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بتَحْرِيفٍ يتخَبَّطُونَ فِيهِ بأهَوائِهِمْ، وإنَّمَا فَسَّرُوهُ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ المُتكَلِّمُ بِهِ، فقَولُهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدسيِّ: «مَرِضْتُ... وَاسْتَطْعَمْتُكَ... وَاسْتَسْقَيْتُكَ» بيَّنَهُ اللهُ تعَالَى بنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ، وأنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، واسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ»، وهُوَ صَريحٌ في أَنَّ المُرادَ بِهِ مَرَضُ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، واسْتِطْعَامُ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، واستِسْقَاءُ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، والَّذِي فسَّرَهُ بذَلِكَ هُوَ اللهُ المُتكلِّمُ بِهِ، وهُوَ أعْلَمُ بمُرادِهِ، فَإِذَا فسَّرْنَا المَرَضَ المُضَافَ إِلَى اللهِ، والاسْتِطْعَامَ المُضافَ إلَيْهِ، والاسْتَسْقَاءَ المُضافَ إلَيْهِ بمَرَضِ العَبْدِ واسْتِطْعَامِهِ واستسقَائِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ تَفْسيرُ المُتكلِّمِ بِهِ، فهُوَ كَمَا لَوْ تَكلَّمَ بهذا المَعْنَى ابْتِدَاءً، وإنَّمَا أضَافَ اللهُ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ أوَّلًا؛ للتَّرغِيبِ والحَثِّ، كقَولِهِ تعَالَى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله﴾ [البقرة:٢٤٥].
⭘ وهذا الحَدِيثُ مِنْ أكْبَرِ الحُجَجِ الدَّامِغَةِ لأَهْلِ التَّأويلِ الَّذِينَ يُحرِّفُونَ نُصُوصَ الصِّفَاتِ عَنْ ظَاهِرِهَا بِلَا دَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، وإنَّمَا يُحرِّفُونَها بشُبَهٍ بَاطِلَةٍ هُمْ فِيهَا مُتنَاقِضُونَ مُضطَرِبُونَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ المُرادُ خِلافَ ظَاهِرِهَا -كَمَا يقُولُونَ- لبَيَّنهُ اللهُ تَعَالَى وَرَسولُهُ، ولَوْ كَانَ ظَاهِرُهَا مُمتَنِعًا عَلَى اللهِ -كَمَا زَعمُوا- لبَيَّنَهُ اللهُ ورسُولُهُ كَمَا فِي هذا الحَدِيثِ، وَلَوْ كَانَ ظَاهِرُهَا اللَّائِقُ باللهِ مُمتنِعًا عَلَى اللهِ لكَانَ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ مِنْ وَصْفِ اللهِ تعَالَى بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْه مَا لَا يُحصَى إلَّا بكُلْفَةٍ، وَهذا مِنْ أكْبرِ المُحَالِ.
☜ ولنَكْتَفِ بهذا القَدْرِ مِنَ الأَمْثِلَةِ؛ لتَكُونَ نِبْرَاسًا لغَيرِهَا، وإلَّا فالقَاعِدَةُ عنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مَعرُوفَةٌ، وَهِيَ إجْرَاءُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وأحَادِيثِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، ولَا تَكْيِيفٍ، وَلَا تَمثِيلٍ، وقَدْ تَقَدَّم الكَلَامُ عَلَى هذا مُستَوفًى في قَواعِدِ نُصوصِ الصِّفَاتِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
� إذَا قَالَ قَائِلٌ: قَـدْ عَرفْنَا بُطـلَانَ مذْهَبِ أهْلِ التَّأويلِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ، ومِنَ المعلُـومِ أنَّ الأشَاعِرَةَ مِنْ أهْلِ التَّأويلِ، فكَيْفَ يكُـونُ مَذْهبُهُم باطلًا، وقَـدْ قِيلَ: إنَّهُم يُمثِّلُـونَ اليَوْمَ خَمْسَةً وتِسعِينَ بالمِئَةِ مِنَ المُسلِمِينَ؟! وكيْفَ يكُـونُ بَاطِـلًا وقُـدوتُهُمْ في ذَلِكَ أبُو الحَسَنِ الأشعَريُّ؟!
⭘- وَكَيْفَ يكُـونُ بَاطِـلًا، وفيهِمْ فُـلَانٌ وفُلَانٌ مِنَ العُلمَاءِ المعرُوفِينَ بالنَّصيحَةِ للهِ، ولكِتَابِهِ، ولرَسُولِهِ، ولأئمَّةِ المُسلِمِينَ، وعَامَّتِهِمْ؟!
✾ قُلْنَا: الجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ: أنَّنا لَا نُسلِّمُ أن تكُونَ نِسْبَةُ الأشَاعِرَةِ بهذا القَدْرِ بالنِّسبَةِ لسَائِرِ فِرَقِ المُسلمينَ؛ فإنَّ هَذِهِ دَعْوَى تحتَاجُ إلى إثبَاتٍ عَنْ طَريقِ الإحصَاءِ الدَّقِيقِ. ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا أنَّهُم بهذا القَدْرِ أَو أكْثرُ فإنَّهُ لَا يَقْتَضِي عِصمَتَهُم مِنَ الخَطَإِ؛ لأَنَّ العِصْمَةَ في إجمَاعِ المُسلمِينَ، لَا فِي الأَكْثَرِ.
➢ ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ إجمَاعَ المُسلمِينَ قَدِيمًا ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أهْلُ التَّأويلِ، فإِنَّ السَّلفَ الصَّالِحَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ -وهُمُ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ القُرونِ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بإحسَانٍ، وأَئمَّةُ الهُدَى مِنْ بعدِهِمْ- كَانُوا مُجمِعِينَ عَلَى إثبَاتِ مَا أثْبَتَهُ اللهُ لنَفْسِهِ، أَوْ أثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ مِنَ الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ، وإجرَاءِ النُّصوصِ عَلَى ظَاهِرِهَا اللَّائِقِ باللهِ تعَالَى، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ، ولَا تَكْييفٍ، ولا تَمْثِيلٍ.
⦁- وهُمْ خَيْرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسُولِ ﷺ[1]، وإجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ؛ لأنَّهُ مُقتَضَى الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وقَدْ سَبَقَ نَقْلُ الإجمَاعِ عَنْهُمْ فِي القَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ قَواعِدِ نُصُوصِ الصِّفَاتِ.
⭘- والجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الثَّانِي: أنَّ أَبَا الحَسَنِ الأشْعَريَّ وغيرَهُ مِنْ أئمَّةِ المُسلمِينَ لَا يدَّعُونَ لأنفسِهِمُ العِصْمَةَ مِنَ الخَطَإِ، بَلْ لَمْ يَنَالُوا الإمَامَةَ فِي الدِّينِ إلَّا حِينَ عَرَفُوا قَدْرَ أنفسِهِمْ، ونزَّلُوها منزِلَتَهَا، وَكَانَ في قُلُوبِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ مَا اسَتحَقُّوا بِهِ أَنْ يكُونُوا أَئمَّةً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:٢٤]، وقَالَ عَنْ إبرَاهِيمَ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [النحل:١٢٠-١٢١].
❂ ثُمَّ إنَّ هَؤُلاءِ المُتأخِّرينَ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ الاقتِدَاءَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يكُونُوا عَلَيْهِ، وذَلِكَ أنَّ أبَا الحَسَنِ كَانَ لَهُ مَرَاحِلُ ثلاث في العقيدة