عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله

 عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله 


اعتقادهم في صفة كلام الله سبحانه وتعالى

قال المؤلف رحمه الله: (وتعتقد الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أن الله يتكلم بكلام قديم نوعي، حادث الآحاد. وأنه كلم موسى -عليه الصلاة والسلام- من الشجرة، وكلم نبينا ليلة عرج به وراء حجاب)

قال الشارح الشيخ أحمد بن عبدالله الحكمي:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، قول شيخنا هنا في هذه الرسالة: وتعتقد الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أن الله يتكلم بكلام قديم نوعي، حادث الآحاد.

هكذا ذكر جمع من أهل العلم رحمهم الله تعالى من أهل السنة. وكلام الله تعالى، معنى هذا الكلام: أن كلام الله تعالى في قوله “قديم النوع” أي أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، ليس الكلام حادثاً منه بعد أن لم يكن، أي أن هذا صفة ذاتية له تبارك وتعالى. 

ومعنى “حادث الآحاد”: أي أن آحاد كلامه، أي الكلام المعين المخصوص، حادث، لأنه متعلق بمشيئته، فالله تعالى يتكلم متى شاء بما شاء وكيف شاء. هذا المقصود بهذا اللفظ: “قديم النوع، حادث الآحاد”. “

قديم النوع” أي أن الله تعالى لم يزل متكلماً ولا يزال متكلماً، و”حادث الآحاد” أي أن هذا متعلق بمشيئته تبارك وتعالى، يتكلم متى شاء بما شاء وكيف شاء. 

والأدلة كما قال شيخنا كثيرة على إثبات هذه الصفة، صفة الكلام لله عز وجل. قد استدل شيخنا بأن الله تعالى كلم موسى عليه السلام، أي في قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً}، وهذه صريحة لأن الله عز وجل كلم موسى، لأن “تكليماً” هذا فعل مطلق يفيد الكلام حقيقة. 

وقوله: “وكلم نبينا صلى الله عليه وسلم”، قد وضح ذلك شيخنا رحمه الله بأن هذا كان في ليلة المعراج، وقال: “من وراء الحجاب”، أي أنه يرى شيخنا رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينيه، وإنما رآه بفؤاده، وهذه أظنها قد مرت معنا أو ستأتي معنا. قال: “والأدلة كثيرة”، استدل شيخنا هنا بهذه الآيات التي تثبت هذه الصفة، في قوله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي}—والآية الثانية: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}—وكلام الله هنا المقصود به القرآن الكريم.. وقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربي أرني أنظر إليك}. والأدلة أيضاً كثيرة، يأتي معنا الإشارة إليها. 

وكلام الله تعالى صفة من صفاته، وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، أن كلام الله عز وجل صفة من صفاته، وأنه تعالى متصف بهذه الصفة، وأنه يتكلم متى شاء، بما شاء، كيف شاء، بكلام حقيقي، بحرف وصوت، يسمعه من شاء من خلقه، لا يماثل كلام المخلوقين، وأن كلامه سبحانه هو الحروف والمعاني، لا المعاني دون الحروف، ولا الحروف دون المعاني. وهذا المعتقد هو مقتضى النصوص الشرعية، وكذلك هو موافق للفطرة، للفطرة السوية، موافق للفطر، أي تقرّ به الفطر السليمة، الفطر المستقيمة، والعقول السليمة. فدليل أنه تعالى يتكلم: الآية السابقة التي أشار إليها شيخنا، في قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً}. ودليل تعلق كلامه بمشيئته: قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}، فقد وقع التكليم بعد مجيء موسى عليه السلام. 

وكلام الله عز وجل صفة ذاتية من وجه، وصفة فعلية من وجه آخر، فهي صفة ذاتية فعلية. 

فكونه لم يزل ولا يزال متكلماً، هذا دليل على أن هذه الصفة صفة ذاتية، وكونه عز وجل يتكلم متى شاء، ومتى اقتضت حكمته تبارك وتعالى، هذا دليل على أنها صفة فعلية.

اعتقادهم في صفة كلام الله سبحانه وتعالى.

قال الشارح الشيخ احمد الحكمي:

والله عز وجل قد كلم الأبوين آدم وحواء عليهما السلام في الجنة، وتكلم عز وجل بالتوراة ثم الزبور، الإنجيل، ثم القرآن، وسيكلم عباده في الآخرة، وليس في هذا نقص لوجه من الوجوه، بل إن هذا دليل الكمال، أو دليل كمال مشيئته وأفعاله تبارك وتعالى وصفاته. وأما الدليل أنه يتكلم بحرف، فمثل قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى}، قالوا إن جملة “مقول القول” حروف، كما أن الله تعالى يتبع الحروف المقطعة في أوائل السور، يتبعها بأن هذا كلامه عز وجل، ولهذا تحدى به فصحاء العرب وبلغاء العرب أن يأتوا بمثله.

والدليل أنه بصوت، أن الله تعالى أضاف الكلام إلى نفسه بآيات كثيرة، وبأنواع من التصرفات، كقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}. قالوا: إن المنادات تكون بصوت، وهذا معروف في اللغة العربية، ومعروف لدى الناس جميعًا، فإن الذي ينادي لا شك أنه ينادي بصوت، وتكون المنادات لمن بعد، والمناجاة تكون أيضًا بصوت، لكن لمن قرب.

ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا}، أي آدم وحواء عليهما السلام، وقوله تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ اجْتَلِ قَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقوله تعالى {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ}، وقوله تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} إلى غير ذلك من الأدلة.

ودليل أنه يسمعه من شاء من خلقه، خطابه للأبوين كما سبق معنا {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} فقد سمعا خطابه تبارك وتعالى، وقوله تعالى {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِي الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، فهذه أدلة على أن الله عز وجل يسمع كلامه من شاء من خلقه. ولا يشك عاقل أن الأبوين عليهما السلام، وأن موسى عليه السلام، وأن نبينا ﷺ قد سمعوا كلام الله.

ودليل أنه لا يماثل كلامه كلام المخلوقين، قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

ودليل أن كلامه عز وجل الحروف والمعاني، أن هذه هي حقيقة الكلام في اللغة والعرف، كما ذكر ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح الطحاوية، ولعله يرجع إلى كلامه، فقد فصل أو قسم الكلام إلى خمسة أقسام، أو ذكر أن القول عند الإطلاق أربعة أقوال. قال: إن للناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق أربعة أقوال، ثم ذكر قولًا خامسًا، قال: أحدها أن يتناول اللفظ والمعنى جميعًا، كما يتناول لفظ الإنسان الروح والبدن معًا. قال: وهذا قول السلف. ثم ذكر أقوالًا أُخر، يرجع إليها.

وكلام الله عز وجل منه بدأ، وهذا سيأتي معنا في الكلام عن القرآن الكريم

اعتقادهم في صفة كلام الله سبحانه وتعالى 

قال الشارح الشيخ احمد الحكمي وفقه الله:

وقد خالف في هذا الباب طوائف، قد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منهم طائفتين، وذكر غيره سبع طوائف قد خالفت في هذا الباب.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: خالف أهل السنة في كلام الله طوائف. نذكر منها طائفتين:

الطائفة الأولى: الجهمية، يعني ومعهم المعتزلة، قالوا: صفات الله عز وجل، قالوا: ليس الكلام من صفات الله، وإنما هو خلق من مخلوقات الله، يخلقه الله في الهواء أو في المحل الذي يسمع منه، وأن إضافته إلى الله إضافة خلق أو تشريف، مثل ناقة الله وبيت الله. انتهى بتصرف يسير.

إذًا الجهمية والمعتزلة يقولون إن كلام الله مخلوق. كلام الله عندهم حروف وأصوات ومعانٍ، لكنها مخلوقة. وهذا بناء على أصلهم الفاسد، وهو نفي الصفات.

قال الشيخ ابن عثيمين: ونرد عليهم بما يلي:

أولًا: أن قولهم هذا خلاف إجماع السلف، وكذلك هو خلاف ظاهر النصوص التي سمعنا شيئًا منها.

ثانيًا: أن هذا خلاف المعقول، لأن الكلام صفة للمتكلم، وليس شيئًا قائمًا بنفسه منفصلًا عن المتكلم.

ثالثًا: أن موسى عليه السلام قد سمع كلام الله، سمع قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي}. قال الشيخ ابن عثيمين: ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.

ثم ذكر الطائفة الثانية: وهم الأشعرية، وهؤلاء الأشعرية قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه، لا يتعلق بمشيئته، وأن هذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله.

هؤلاء الأشعرية يشبههم أيضًا الكلّابية، المنسوبون إلى محمد بن عبد الله بن كلّاب. قالوا: كلام الله تعالى معنى قائم بذاته، لازم لها كلزوم الحياة والعلم، فلا يتعلق بمشيئته. والحروف والأصوات حكاية عنه، أي عن كلام الله، خلقها الله لتدل على ذلك المعنى القائم بذاته. قالوا: وهو أربعة معانٍ: أمر ونهي وخبر واستخبار.

والأشاعرة، وهم الذين ينتسبون لأبي الحسن الأشعري، وقد تبرأ منهم، وكلامهم يطابق كلام الكلابية، إلا أنهم قالوا إن الحروف والأصوات عبارة عن كلام الله، أولئك قالوا: حكاية عن كلام الله، وهؤلاء قالوا: عبارة عن كلام الله. وأولئك قالوا: إن كلام الله أربعة معانٍ: أمر ونهي وخبر واستخبار. وهؤلاء الأشاعرة قالوا: إن كلام الله معنىً واحد.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ونرد عليهم بما يلي:

أن قولهم هذا خلاف إجماع السلف، 

أقول: وكذلك أيضًا هو خلاف ظاهر النصوص الشرعية الدالة على أنه كلام الله حقيقة. كذلك مما يرد به عليهم أن هذا خلاف الأدلة، كما قال الشيخ ابن عثيمين، لأنها تدل على أن كلام الله يُسمع، ولا يُسمع إلا الصوت، ولا يُسمع المعنى القائم بالنفس.

قال رحمه الله: أن كلامهم هذا خلاف الأدلة، لأنها –أي الأدلة– تدل على أن كلام الله يُسمع. قال: ولا يُسمع إلا الصوت، ولا يُسمع المعنى القائم بالنفس.

ثم قال: أن هذا أيضًا خلاف المعهود، لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم، لا ما يُضمره في نفسه.

وأيضًا ممن خالف في هذا الباب: الفلاسفة الدهرية، وهم كما يقولون أتباع أرسطو، يقولون إن الكلام فيض من العقل، من العقل الفعال على النفوس الفاضلة الزكية بحسب استعدادها وقبولها، فيجب لها ذلك تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته منه… إلى آخر كلامه، وهي فلسفة فحواها أو مقصودهم منها: إنكار كلام الله عز وجل.

وكذلك ممن خالف في هذا الباب: الاتحادية، أي أصحاب وحدة الوجود، لأن هؤلاء يقولون إن كل كلام في الوجود هو كلام الله عز وجل، يقولون: أي صوت مسموع في الكون، أي صوت مسموع في الكون، هو صوته تعالى، تعالى الله عما يقولون. وهذا بناء على أصلهم الكفري، وهي وحدة الوجود، أي أنهم يقولون: إن كل ما في الكون هو الله.

كذلك ممن خالف في هذا الباب: الكرامية، المنسوبين أو المنتسبين إلى محمد بن كرام، وقولهم مثل قول أهل السنة والجماعة، إلا أنهم زعموا أن كلام الله حادث بعد أن لم يكن.

وكذلك من يسمون بالسالمية، قالوا إن كلام الله صفة قائمة بذاته، لازمة لها، يعني لازمة لذاته، كلزوم الحياة والعلم، لا يتعلق بمشيئة الله، وأنه حروف وأصوات متقاربة، لا يسبق بعضها بعض. وكل هذه الأقوال كما سمعتم مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال