فتاوى في العقيدة الصحيحة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد أما بعد: 

 ▣ بُطْلَانُ تَفْسِيرِ مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ  بما يَقْتَضِي الحُلُولَ وَالاخْتِلَاطَ 

✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ

➢ فَإِذَا تَبيَّنَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أنَّ مُقْتَضَى كَونِهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ: أنَّهُ يَعْلَمُ أحوَالَهُمْ، ويَسْمَعُ أقْوَالَهُمْ، ويَرَى أفْعَالَهُمْ، ويُدبِّرُ شُؤُونَهُمْ، فيُحْيِي ويُمِيتُ، ويُغنِي ويُفْقِرُ، ويُؤتِي المُلكَ مَنْ يَشَاءُ، ويَنْزِعُ المُلكَ ممَّنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، ويُذلُّ مَنْ يَشَاءُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا تَقْتَضِيهِ رُبوبيَّتُهُ وكَمَالُ سُلطَانِهِ، لَا يحْجُبُهُ عَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، ومَنْ كَانَ هذا شَأنَهُ فهُوَ مَعَ خَلْقِهِ حقيقَةً، وَلَوْ كَانَ فَوقَهُمْ عَلَى عَرْشِهِ حَقيقَةً [1].

✑ قَـالَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪العَقِيدَة الوَاسطيَّة❫ صـ❪١٤٢❫ جـ❪٣❫ مِنْ ❪مجْمُوعِ الفَتَاوَى❫ لابنِ قَاسِمٍ فِي فَصْلِ الكَلَامِ عَلَى المَعيَّةِ، قَالَ: «وَكُلُّ هذا الكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، وأنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْريفٍ، ولَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنونِ الكَاذِبَةِ» اﻫ.

↫ وقَـالَ فِي ❪الفَتْوَى الحَمويَّة❫ صـ❪١٠٢-١٠٣❫ جـ❪٥❫ مِنَ المَجمُوعِ المذكُورِ: «وجِمَاعُ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ: أنَّ الكِتَابَ والسُّنَّةَ يَحْصُلُ مِنْهُمَا كَمَالُ الهُدَى والنُّورِ لِمَنْ تَدَبَّرَ كِتَابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّهِ، وقَصَـدَ اتِّبَاعَ الحَقِّ، وأعْرَضَ عَنْ تَحْريفِ الكَلِـمِ عَنْ مَواضِعِهِ، والإلحَادِ في أسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ.

ولَا يَحسَبِ الحَاسِبُ أنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُنَاقِـضُ بَعْضُـهُ بَعْضًـا الْبَتَّةَ، مِثْلُ أَنْ يقُولَ الْقَائِلُ: مَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَولِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾، وقـولِـهِ ﷺ: «إِذَا قَـامَ أَحَدُكُـمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَـإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ»[2]، ونحْوِ ذَلِكَ، فإِنَّ هذا غَلَطٌ، وذَلِكَ أَنَّ اللهَ مَعَنَا حقِيقَةً، وَهُوَ فَوْقَ العَرْشِ حَقيقَةً، كَمَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُما في قَولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:٤]، فأخْبَرَ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعَنَا أيْنَما كُنَّا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ الأَوْعَالِ: «وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَاسبق

[1]. وقد سَبَقَ أنَّ المَعِيَّة في اللُّغَة العَرِبيَّة لا تَسْتَلْزِمُ الاخْتِلَاطَ أو المُصَاحَبَةَ في المكانِ. ❪المُؤَلِّف❫.

[2]. أخرجه البخاري❪٤٠٦❫، ومسلم  ❪٥٤٧❫.

[3]. أخرجه أبو داود❪٤٧٢٣❫، والترمذي❪٣٣٢٠❫، وابن ماجه❪١٩٣❫، وأحمد ❪٢٠٦/

▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ

✾ قَــالَ الْـمُـؤَلِّــفُ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:

➢ واعْلَمْ أنَّ تَفْسِيرَ المَعِيَّةِ بظَاهِرِهَا عَلَى الحَقيقَةِ اللَّائِقَةِ باللهِ تَعَالَى لَا يُنَاقِضُ مَا ثَبَتَ مِنْ عُلُوِّ اللهِ تَعَالَى بذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:

← الأَوَّلُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَـعَ بَيْنَهُـمَا لنَفْسِهِ في كِتَابِـهِ المُبينِ المُنزَّهِ عَنِ التَّنَاقُـضِ، وَمَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمَا في كِتَابِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، وكُلُّ شَيْءٍ فِي القُرْآنِ تَظُنُّ فِيهِ التَّناقُضَ فِيمَا يَبدُو لَكَ فَتدبَّرْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ، لقَولِهِ تعَالَى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، فإنْ لَمْ يتبيَّنْ لَكَ فعَلَيْكَ بطَريقِ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ الَّذِينَ يقُولُونَ: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:٧]، وَكِلِ الأمْرَ إلى مُنزِّلِهِ الَّذِي يَعلَمُهُ، واعْلَمْ أنَّ القُصُورَ في عِلْمِكَ أَوْ فِي فَهْمِكَ، وأَنَّ القُرآنَ لَا تَنَاقُضَ فِيهِ.

☜ وإِلَى هذا الوَجْهِ أَشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ فِي قَولِهِ فِيمَا سَبَقَ: «كَمَا جَمَعَ اللهُ بينَهُمَا» وكذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ -كَمَا فِي ❪مُخْتَصر الصَّواعِقِ❫ لابنِ المَوصليِّ صـ❪٤١٠❫ ط. الإمام- فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ عَلَى المِثَالِ التَّاسِعِ ممَّا قِيلَ: إنَّهُ مَجَازٌ، قَالَ: «وَقَدْ أخْبَرَ اللهُ أنَّهُ مَعَ خَلقِهِ مَعَ كَونِهِ مُستَويًا عَلَى عَرْشِهِ، وقَرَنَ بَيْنَ الأمرَينِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: -وذَكَرَ آيَةَ سُورَةِ الحَدِيدِ- ثُمَّ قَالَ: فأَخْبَرَ أنَّهُ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ، وأنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ، وأنَّهُ مَعَ خَلْقِهِ يُبصِرُ أعمَالَهُمْ مِنْ فَوقِ عَرْشِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الأَوْعَالِ: «وَاللهُ فَوْقَ العَرْشِ يَرَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»، فعُلُوُّه لَا يُناقِضُ معيَّتَهُ، ومَعيَّتُهُ لَا تُبْطِلُ عُلُوَّه، بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ» اﻫ

▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ

✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:

← الوَجْهُ الثَّاني: أَنَّ حَقيقَةَ مَعْنَى المعيَّةِ لَا يُناقِضُ العُلوَّ، فالاجْتِمَاعُ بينَهُمَا مُمكِنٌ في حَقِّ المَخْلُوقِ، فإِنَّهُ يُقَالُ: «مَا زِلْنَا نَسِيرُ والقَمَرُ مَعَنَا»، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا، وَلَا يَفْهَمُ مِنْهُ أحَدٌ أَنَّ القَمَرَ نَزَلَ فِي الأَرْضِ، فإِذَا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا في حَقِّ المخْلُوقِ فَفِي حقِّ الخَالِقِ المُحيطِ بكُلِّ شَيْءٍ -مَعَ عُلوِّهِ سُبْحَانَهُ- مِنْ بَابِ أَوْلَى، وذَلِكَ لأَنَّ حقيقَةَ المَعيَّة لا تَسْتلزِمُ الاجتِمَاعَ في المكَانِ.

↫ وإِلَى هذا الوَجْهِ أشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪الفَتْوَى الحَمَويَّة❫ صـ❪١٠٣❫ المُجلَّد الخَامِسِ مِنْ ❪مَجْمُوعِ الفَتَاوَى❫ لابنِ قَاسِمٍ، حيْثُ قَالَ: «وذَلِكَ أنَّ كَلِمَةَ ❪مَعَ❫ فِي اللُّغَةِ إذَا أُطلِقَتْ، فلَيْسَ ظَاهِرُهَا في اللُّغَةِ إلَّا المُقارَنَةَ المُطلَقَةَ، مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ مماسَّة أَوْ مُحَاذَاةٍ عَنِ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فإذَا قُيِّدَتْ بمَعْنًى مِنَ المعَانِي دلَّتْ عَلَى المُقارنَةِ في ذَلِكَ المَعْنَى، فإنَّهُ يُقَالُ: «مَا زِلْنَا نَسِيرُ والقَمَرُ مَعَنَا» أَوْ: «وَالنَّجْمُ مَعَنَا» ويُقَالُ: «هذا المتَاعُ مَعِي»؛ لمُجَامَعَتِهِ لَكَ وإنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِكَ. 

☜ فَاللهُ مَعَ خَلْقِهِ حَقيقَةً، وهُوَ فَوْقَ عَرْشِهِ حَقيقَةً» اﻫ، وصدَقَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى؛ فَإنَّ مَنْ كَانَ عَالمًا بِكَ، مُطَّلِعًا عَلَيْكَ، مُهيمِنًا عَلَيْكَ، يَسْمَعُ مَا تَقُولُ، ويَرَى مَا تَفْعَلُ، ويُدَبِّر جَمِيعَ أُمُورِكَ، فَهُوَ مَعَكَ حقيقَةً وإِنْ كَانَ فَوقَ عَرشِهِ حقيقَةً؛ لأَنَّ المَعيَّةَ لَا تَستَلْزِمُ الاجْتِمَاعَ فِي المكَانِ.

للشيخ: محمد بـن صـالح العثيمين - رحمه الله تعالىٰ 

▣ لا تَنَاقُضَ بين مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ وما ثَبَتَ من عُلُوِّه على عَرْشِهِ

✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:

← الوَجْهُ الثَّالِثُ: أنَّهُ لَوْ فُرِضَ امْتِنَاعُ اجتِمَاع المَعيَّةِ والعُلُوِّ فِي حَقِّ المخْلُوقِ لَمْ يلْزَمْ أَنْ يكُونَ ذَلِكَ مُمتَنِعًا في حَقِّ الخَالِقِ الَّذِي جَمَعَ لنَفْسِهِ بينَهُمَا؛ لأَنَّ اللهَ تعَالَى لَا يُماثِلُهُ شَيْءٌ مِنْ مخْلُوقَاتِـهِ، كَـمَا قَـالَ تعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].

☜ وإلَى هذا الوَجْهِ أشَارَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪العَقِيدَة الوَاسطيَّة❫ صـ❪١٤٣❫ جـ❪٣❫ من ❪مجمُوعِ الفَتَاوَى❫، حيْثُ قَالَ: «وَمَا ذُكِرَ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُربِهِ ومَعيَّتِهِ لَا يُنافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وفَوقيَّتِهِ؛ فإِنَّهُ سبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّهِ، قَريبٌ فِي عُلوِّهِ» اﻫ.

➢ تتِمَّةٌ: انقْسَمَ النَّاسُ في مَعيَّةِ اللهِ تعَالَى لخَلْقِهِ ثَلَاثَةَ أقْسَامٍ:

← القِسْمُ الأوَّلُ: يقُولُونَ: إنَّ مَعيَّةَ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ مُقْتَضَاهَا العِلْمُ والإحَاطَةُ فِي المَعيَّةِ العَامَّةِ، ومَعَ النَّصْرِ والتَّأييدِ فِي المَعيَّةِ الخَاصَّةِ، مَعَ ثُبُوتِ عُلُوِّهِ بذَاتِهِ، واستِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وهَؤُلاءِ هُمُ السَّلَفُ، ومَذْهَبُهُمْ هُوَ الحَقُّ، كَمَا سَبَقَ تقْريرُهُ.

← القِسْمُ الثَّانِي: يقُولُونَ: إِنَّ مَعيَّةَ اللهِ لخَلْقِهِ مُقْتَضَاهَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ فِي الأَرْضِ، مَعَ نَفْيِ عُلوِّهِ واستِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وهؤُلاءِ هُمُ الحُلوليَّةُ مِنْ قُدمَاءِ الجَهميَّةِ وغَيرِهِمْ، ومذهَبُهُمْ بَاطِلٌ مُنْكَرٌ، أجْمَعَ السَّلفُ عَلَى بُطلَانِهِ وإنكَارِهِ، كَمَا سَبَقَ.

← القِسْمُ الثَّالِثُ: يقُولُـونَ: إنَّ معيَّةَ اللهِ لخَلْقِهِ مُقتَضَاهَا أَنْ يكُـونَ مَعَهُمْ فِي الأَرْضِ، مَعَ ثُبُوتِ عُلوِّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ، ذَكَرَ هذا شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ صـ ❪٢٢٩❫ جـ❪٥❫ مِنْ ❪مجْمُوعِ الفَتَاوَى❫، وقَدْ زَعَمَ هَؤُلاءِ أنَّهُم أخَذُوا بظَاهِرِ النُّصُوصِ فِي المَعيَّةِ والعُلُوِّ، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَضَلُّوا؛ فإِنَّ نُصُوصَ المعيَّةِ لَا تَقْتَضِي مَا ادَّعَوهُ مِنَ الحُلُولِ؛ لأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَا يُمكِنُ أَنْ يكُونَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللهِ ورَسُولِهِ بَاطِلًا..*

للشيخ: محمد بـن صـالح العثيمين - رحمه الله تعالىٰ 

▣ تَنْبِيهٌ حَوْلَ تَفْسِيرِ السَّلَفِ لمَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ: بأَنَّهُ مَعَهُمْ بعِلْمِهِ. 

✾ قَالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:

◉ تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلَفِ لمَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِـهِ: بأَنَّـهُ «مَعَهُمْ بعِلْمِهِ» لَا يَقْتَضِي الاقْتِصَارَ عَلَى العِلْمِ، بَلِ المَعيَّةُ تَقْتَضِي أيْضًا إحَاطَتَهُ بهِمْ سَمْعًا، وَبَصَرًا، وقُدْرَةً، وتَدْبِيرًا، ونَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي رُبوبيَّتِهِ.

◉ تَنْبِيهٌ آخَرُ: أشَرْتُ فِيمَا سَبَقَ إِلَى أَنَّ عُلوَّ اللهِ تَعَالَى ثَابِتٌ بالْكِتَابِ، والسُّنَّةِ، والعَقْلِ، والفِطْرَةِ، والإجمَاعِ.

⭘ أمَّا الكِتَابُ فَقَـدْ تَنَوَّعَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فتَارَةً بلَفْـظِ العُلـوِّ، والفَوقيَّةِ، والاستَـوَاءِ عَلَى العَرْشِ، وكَـونِهِ في السَّماءِ؛  كقَـولِهِ تعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة:٢٥٥]، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام:١٨]، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥]، ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك:١٦].

⭘ وتَارَةً بلَفْظِ صُعُودِ الأشيَاءِ وعُروجِهَا ورَفْعِهَا إلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:١٠]، ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج:٤] ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران:٥٥].

⭘ وتَارَةً بلَفْظِ نُزُولِ الأشيَاءِ مِنْهُ، ونَحْوِ ذَلِكَ، كقَولِهِ تعَالَى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ﴾ [النحل:١٠٢]، ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة:٥].

أحدث أقدم

نموذج الاتصال