▣ الــجَــوَابُ الـمُـفـصَّـلُ عَـلَـى ڪُــلِّ نَــصٍّ ادُّعِــيَ أَنَّ الـسَّـلَـفَ صَــرفُــوهُ عَــنْ ظَـاهِــرِهِ
✾ المثَالُ الثَّالِثُ: « إِنِّي أَجِدُ نفَسَ الرَّحمَنِ مِنْ قِبَلِ اليَمَنِ ».
❍ والجَوابُ: أنَّ هذا الحَدِيثَ رَوَاهُ الإمَامُ أحْمَدُ في ❪المُسنَدِ❫ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُريرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ يَمَانٌ، وَالحِكْمَةَ يَمَانِيَةٌ، وَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ».
[ أخرجه الإمام أحمد في «المسند» ❪٥٤١/٢❫، والطبراني في «المعجم الڪبير» ❪٦٠/٧❫، والبيهقي في «الأسماء والصفات» ❪٣٩١/٢❫ ].
⟐ قَالَ فِي ❪مَجْمَع الزَّوائِدِ ❬٣٢/١٠❭❫: «رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ شَبِيبٍ، وهُوَ ثِقَةٌ»، قُلْتُ: وَڪَذَا قَالَ في ❪التَّقريب❫ ↶ ❪تقريب التهذيب صـ❬٢٠٥❭ برقم ❬٢٧٤٤❭ ط. الرسالة❫ عَنْ شَبِيبٍ: «ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ»، وَقَدْ رَوَى البُخاريُّ نحوَهُ فِي ❪التَّأريخ الڪَبِير ❬٧٠/٤❭❫.
➢ وهذا الحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، والنَّفَسُ فِيهِ اسْمُ مَصْدَرِ: نَفَّس، يُنَفِّس، تنفيسًا. مِثْلُ: فَرَّج، يُفرِّجُ، تَفْريجًا، وفَرَجًا. هَكَذَا قَالَ أهْلُ اللُّغَةِ، كَمَا فِي ❪النِّهَايَة❫، و❪القَامُوس❫، و❪مَقَاييس اللُّغَةِ❫.
[ النهاية في غريب الحديث ❪٩٣/٥❫ ت. الطناحي، القاموس المحيط ❪٢٥٣/٢❫ ط. الأميرية، مقاييس اللغة ❪٤٦٠/٥❫ ]
✑ قَالَ في ❪مَقَاييس اللُّغَة❫: « النَّفَـسُ كُلُّ شَيْءٍ يُفـرَّجُ بِـهِ عَنْ مَكْرُوبٍ »، فيَكُونُ مَعْنَى الحَدِيثِ: أنَّ تَنْفِيسَ اللهِ تعَالَى عَنِ المُؤمِنِينَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، قَـالَ شَيْـخُ الإسـلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ: « وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا أهْلَ الرِّدَّةِ، وفَتَحُوا الأَمْصَارَ، فبِهِمْ نفَّسَ الرَّحمَنُ عَنِ المُؤمِنِينَ الكُرُبَاتِ » اﻫ.
[مجمُوعُ فتَاوَى شَيْخِ الإسْلَامِ ❪٣٩٨/٦❫ لابنِ قاسم
▣ الــجَــوَابُ الـمُـفـصَّـلُ عَـلَـى ڪُــلِّ نَــصٍّ ادُّعِــيَ أَنَّ الـسَّـلَـفَ صَــرفُــوهُ عَــنْ ظَـاهِــرِهِ
✾ المثَالُ الرَّابِعُ: قولُهُ تعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة:٢٩].
❍ والجَوابُ: أنَّ لأَهْلِ السُّنَّةِ في تَفْسِيرِهَا قَولَيْنِ:
↫ أحدُهُما: أنَّها بمَعْنَى: ارْتَفَعَ إِلَى السَّماءِ، وَهُوَ الَّذِي رجَّحَهُ ابْنُ جَريرٍ، قَالَ فِي ❪تَفْسِيرِهِ❫ بعْدَ أنْ ذَكَرَ الخِلَافَ: « وَأَوْلَى المَعَانِي بقَولِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ﴾ [البقرة:٢٩]: عَلَا علَيْهِنَّ وارْتَفَعَ، فدَبَّرَهُنَّ بقُدرَتِهِ، وخَلَقَهُنَّ سَبْعَ سَمَواتٍ » اﻫ
[ تفسير الطبري ❪٤٥٧/١❫ ].
✑ وَذَكَرَهُ البَغويُّ فِي ❪تَفْسِيرِهِ❫ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وأَكْثَرِ مُفسِّرِي السَّلَفِ، وذَلِكَ تَمسُّكًا بظَاهِرِ لَفْظِ: ﴿اسْتَوَى﴾، وتَفْويضًا لعِلْمِ كيفِيَّةِ هذا الارتِفَاعِ إِلَى الله عَزَّ وجَلَّ.
[ تفسير البغوي ❪٧٨/١❫ ].
↫ القَولُ الثَّانِي: إنَّ الاسْتِوَاءَ هُنَا بمَعْنَى القَصْدِ التَّامِّ، وإِلَى هذا القَوْلِ ذَهَبَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِير سُورَةِ البَقَرَة، والبَغويُّ في تَفْسِير سُورَةِ فُصِّلَت، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: « أَيْ: قَصَدَ إِلَى السَّماءِ، والاستِوَاءُ هَاهُنَا ضُمِّنَ مَعْنَى القَصْدِ والإقْبَالِ؛ لأَنَّهُ عُدِّيَ بـ❪إِلَى❫».
[ تفسير ابن ڪثير ❪٣٣٢/١❫ ].
⭘ وقَالَ البَغَويُّ: « أَيْ: عَمَد إلَى خَلْقِ السَّماءِ »
[ تفسير البغوي ❪١٦٥/٧❫ ].
☜ وَهَذا القَوْلُ ليسَ صَرْفًا للكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وذَلِكَ لأَنَّ الفِعْلَ ﴿اسْتَوَى﴾ اقْتَرَنَ بحَرْفٍ يَدُلُّ عَلَى الغَايَةِ والانتِهَاءِ، فانْتَقَلَ إِلَى مَعْنًى يُنَاسِبُ الحرْفَ المُقتَرِنَ بِهِ،ألَا تَرَى إِلَى قَولِهِ تعَالَى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان:٦]، حيثُ كَانَ معنَاهَا: يَرْوَى بهَا عِبَادُ اللهِ؛ لأَنَّ الفِعْلَ ﴿يَشْرَبُ﴾ اقْتَرَنَ بالبَاءِ، فانْتَقَلَ إِلَى مَعْنًى يُناسِبُهَا، وَهُوَ «يَرْوَى»، فالفَعْلُ يُضمَّنُ مَعْنًى يُنَاسِبُ مَعْنَى الحَرْفِ المُتعلِّقِ بِهِ؛ ليَلتَئِمَ الكَلَامُ.
▣ الــجَــوَابُ الـمُـفـصَّـلُ عَـلَـى ڪُــلِّ نَــصٍّ ادُّعِــيَ أَنَّ الـسَّـلَـفَ صَــرفُــوهُ عَــنْ ظَـاهِــرِهِ
✾ المثَالُ الخَامِسُ والسَّادِسُ: قـولُهُ تَعَالَـى في سُـورَةِ الحَدِيـدِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد:٤]، وقولُهُ في سُورَةِ المُجادَلَةِ: ﴿وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة:٧].
❍ والجَوابُ: أنَّ الكَلامَ فِي هَاتَينِ الآيَتَينِ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ وظَاهِرِهِ، ولكِنْ مَا حقيقَتُهُ وظَاهِرُهُ؟
◄ هَلْ يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَهُ وحقيقَتَهُ أنَّ للهِ تعَالَى مَعَ خَلقِهِ مَعيَّةً تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُختلِطًا بِهِمْ، أَوْ حَالًّا فِي أمْكِنَتِهِمْ؟
◅ أو يُقَالُ: إنَّ ظَاهِرَهُ وحقيقتَهُ أنَّ للهِ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ مَعِيَّةً تَقْتَضِي أَنْ يَكُـونَ مُحِيطًا بهِمْ عِلْمًا، وقُـدْرَةً، وسَمْعًا، وبَصَرًا، وتَدْبِيرًا، وَسُلْطَانًا، وغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي رُبوبيَّتِهِ، مَعَ عُلوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ؟
↶ ولَا رَيْبَ أنَّ القَوْلَ الأوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ، ولَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وذَلِكَ لأَنَّ المعيَّةَ هُنَا أُضيفَتْ إِلَى اللهِ عزَّ وجلَّ، وَهُوَ أعْظَمُ وأَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحيطَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مخلُوقَاتِهِ، ولأَنَّ المَعيَّةَ فِي اللُّغةِ العَربيَّةِ الَّتِي نَزَل بِهَا القُرآنُ لَا تَسْتَلْزِمُ الاخْتِلَاطَ أَوِ المُصاحَبَةَ فِي المَكَانِ، وإنَّـمَا تَـدُلُّ عَلَى مُطْلَـقِ مُصَاحَبَةٍ، ثُمَّ تُفسَّرُ فِي كُلِّ مَوْضِـعٍ بِحَسبِهِ.
▣ بُطْلَانُ تَفْسِيرِ مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ بما يَقْتَضِي الحُلُولَ وَالاخْتِلَاطَ
⦁ وتَفْسِيرُ مَعيَّةِ اللهِ تَعَالَى لخَلْقِهِ بِمَا يَقْتَضِي الحُلولَ والاخْتِلَاطَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:
◄ الأوَّلُ: أنَّهُ مُخَالِفٌ لإجْمَاعِ السَّلفِ، فَـمَا فَسَّرَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، بَلْ كَانُـوا مُجمِعِينَ عَلَى إنْكَارِهِ.
◄ الثَّانِي: أنَّهُ مُنَافٍ لعُلوِّ اللهِ تعَالَى الثَّابِتِ بالكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، والعَقْلِ، والفِطْرَةِ، وإجمَاعِ السَّلفِ، وَمَا كَانَ مُنَافيًا لِمَا ثَبَتَ بدَلِيلٍ كَانَ بَاطِلًا بِمَا ثَبَتَ بِه ذَلِكَ المُنافِي، وعَلَى هذا فيَكُونُ تَفْسِيرُ مَعيَّةِ اللهِ لخَلْقِهِ بالحُلُولِ والاخْتِلَاطِ بَاطِلًا بالكِتَابِ، والسُّنَّةِ، والعَقْلِ، والفِطْرَةِ، وإجْمَاعِ السَّلَفِ.
◄ الثَّالِثُ: أنَّهُ مُستَلْزِمٌ للوازِمَ باطلَةٍ لَا تَلِيقُ باللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَا يُمكِنُ لِمَنْ عَرَفَ اللهَ تَعَالَى، وَقَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِه، وَعَرَفَ مَدلُولَ المَعيَّةِ فِي اللُّغةِ العَربيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القُرآنُ، أَنْ يَقُولَ: إنَّ حقيقَةَ مَعيَّةِ اللهِ لخَلْقِهِ تَقْتَضِي أَنْ يكُونَ مُختَلِطًا بهِمْ، أَوْ حَالًّا فِي أمْكِنَتِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تستَلْزِمَ ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ باللُّغةِ، جَاهِلٌ بعَظَمَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ.
❍ فإِذَا تَبيَّنَ بُطْلَانُ هذا القَوْلِ تَعَيَّنَ أَنْ يكُونَ الحَقُّ هُوَ القَولَ الثَّانِيَ، وَهُوَ أنَّ للهِ تعَالَى مَعَ خَلْقِهِ مَعيَّةً تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بهِمْ، عِلْمًا، وقُدْرةً، وسَمْعًا، وبَصَرًا، وتَدْبيرًا، وسُلطَانًا، وغيرَ ذَلِكَ ممَّا تَقْتَضِيهِ رُبوبيَّتُهُ، مَعَ عُلوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهذا هُوَ ظَاهِر الآيَتَينِ بِلَا رَيْبٍ؛ لأَنَّهُمَا حَقٌّ، وَلَا يَكُونُ ظَاهِرُ الحَقِّ إلَّا حَقًّا، ولَا يُمكِنُ أَنْ يكُونَ البَاطِلُ ظَاهِرَ القُرآنِ أَبَدًا.
▣ بُطْلَانُ تَفْسِيرِ مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ بما يَقْتَضِي الحُلُولَ وَالاخْتِلَاطَ
✾ قَالَ الْـمُـؤَلِّــفُ -رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ قَـالَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪الفَتْوَى الحَمَويَّةِ❫ صـ❪١٠٣❫ جـ❪٥❫ من ❪مجمُوعِ الفَتَاوى❫ لابنِ قَاسِمٍ: « ثُمَّ هَذِهِ المَعيَّةُ تَخْتَلِفُ أحَكَامُهَا بحَسَبِ المَوارِدِ، فَلمَّا قَالَ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ إلَى قَولِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد:٤] دَلَّ ظَاهِرُ الخِطَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ المَعيَّةِ ومُقْتَضَاهَا أنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْكُمْ، شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، ومُهَيمِنٌ عَالِمٌ بِكُمْ، وَهذا مَعْنَى قَولِ السَّلَفِ: إنَّهُ مَعَهُمْ بعِلْمِهِ[1].
↫ وَهذا ظَاهِرُ الخِطَابِ وحقِيقَتُهُ، وكَذَلِكَ فِي قَولِهِ: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إِلَى قَولِهِ: ﴿هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة:٧] الآيَةَ.
✑ ولمَّا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لصَاحِبِهِ فِي الغَارِ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا﴾ [التوبة:٤٠]، كَانَ هذا أيْضًا حَقًّا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَدَلَّتِ الحَالُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ المَعيَّةِ هُنَا مَعيَّةُ الاطِّلَاعِ وَالنَّصْرِ والتَّأييدِ ».
↫ ثُمَّ قَالَ: « فلَفْظُ المَعيَّةِ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي مَوَاضِعَ يَقْتَضِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أُمُورًا لَا يَقْتَضِيهَا فِي المَوْضِعِ الآخَرِ، فإمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ دَلَالَتُهَا بحَسبِ المَواضِعِ، أَوْ تَدُلَّ عَلَى قَدْرٍ مُشتَرَكٍ بَيْنَ جَمِيعِ مَوَارِدِهَا، وإِنِ امْتَازَ كُلُّ مَوْضِعٍ بخَاصِّيَّةٍ، فعَلَى التَّقديرَينِ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مُخْتَلِطَةً بالخَلْقِ حتَّى يُقَالَ: قَدْ صُرفَتْ عَنْ
[1]. كان هذا مَعْنَى قول السَّلَفِ: إنَّه مَعَهم بعِلْمِه؛ لأنَّه إذا كان مَعْلُومًا أنَّ الله تعالى مَعَنَا مع عُلُوِّه لم يَبْقَ إلا أن يكون مُقْتَضى هذه المَعِيَّة أنَّه تعالى عَالِمٌ بنا مُطَّلعٌ شهيدٌ مُهَيْمِنٌ، لا أنَّه مَعَنَا بذَاتِه في الأَرْضِ. ❪المُؤَلِّف❫.*❪سلسلة الـــقَـــواعــد الـــمُــثـــلَـى فِــي صِفَاتِ اللهِ تعَالَى وأسمَائِهِ الحُسنَى❫ .
▣ بُطْلَانُ تَفْسِيرِ مَعِيَّةِ الله لخَلْقِهِ بما يَقْتَضِي الحُلُولَ وَالاخْتِلَاطَ
✾ وَصَلْـنَـا إِلَىٰ قَوْلِ الْمُـؤَلِّـفِ - رَحِمَـﮧُ اللَّـﮧُ تعَالـﮯَ -:
➢ فَإِذَا تَبيَّنَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أنَّ مُقْتَضَى كَونِهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ: أنَّهُ يَعْلَمُ أحوَالَهُمْ، ويَسْمَعُ أقْوَالَهُمْ، ويَرَى أفْعَالَهُمْ، ويُدبِّرُ شُؤُونَهُمْ، فيُحْيِي ويُمِيتُ، ويُغنِي ويُفْقِرُ، ويُؤتِي المُلكَ مَنْ يَشَاءُ، ويَنْزِعُ المُلكَ ممَّنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، ويُذلُّ مَنْ يَشَاءُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ممَّا تَقْتَضِيهِ رُبوبيَّتُهُ وكَمَالُ سُلطَانِهِ، لَا يحْجُبُهُ عَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، ومَنْ كَانَ هذا شَأنَهُ فهُوَ مَعَ خَلْقِهِ حقيقَةً، وَلَوْ كَانَ فَوقَهُمْ عَلَى عَرْشِهِ حَقيقَةً [1].
✑ قَـالَ شَيْخُ الإسلَامِ ابْنُ تيمِيَّةَ فِي ❪العَقِيدَة الوَاسطيَّة❫ صـ❪١٤٢❫ جـ❪٣❫ مِنْ ❪مجْمُوعِ الفَتَاوَى❫ لابنِ قَاسِمٍ فِي فَصْلِ الكَلَامِ عَلَى المَعيَّةِ، قَالَ: «وَكُلُّ هذا الكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، وأنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْريفٍ، ولَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنونِ الكَاذِبَةِ» اﻫ.
↫ وقَـالَ فِي ❪الفَتْوَى الحَمويَّة❫ صـ❪١٠٢-١٠٣❫ جـ❪٥❫ مِنَ المَجمُوعِ المذكُورِ: «وجِمَاعُ الأَمْرِ فِي ذَلِكَ: أنَّ الكِتَابَ والسُّنَّةَ يَحْصُلُ مِنْهُمَا كَمَالُ الهُدَى والنُّورِ لِمَنْ تَدَبَّرَ كِتَابَ اللهِ، وسُنَّةَ نبيِّهِ، وقَصَـدَ اتِّبَاعَ الحَقِّ، وأعْرَضَ عَنْ تَحْريفِ الكَلِـمِ عَنْ مَواضِعِهِ، والإلحَادِ في أسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ.
ولَا يَحسَبِ الحَاسِبُ أنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُنَاقِـضُ بَعْضُـهُ بَعْضًـا الْبَتَّةَ، مِثْلُ أَنْ يقُولَ الْقَائِلُ: مَا فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَولِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾، وقـولِـهِ ﷺ: «إِذَا قَـامَ أَحَدُكُـمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَـإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ»[2]، ونحْوِ ذَلِكَ، فإِنَّ هذا غَلَطٌ، وذَلِكَ أَنَّ اللهَ مَعَنَا حقِيقَةً، وَهُوَ فَوْقَ العَرْشِ حَقيقَةً، كَمَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُما في قَولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:٤]، فأخْبَرَ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعَنَا أيْنَما كُنَّا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَدِيثِ الأَوْعَالِ: «وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِي
[1]. وقد سَبَقَ أنَّ المَعِيَّة في اللُّغَة العَرِبيَّة لا تَسْتَلْزِمُ الاخْتِلَاطَ أو المُصَاحَبَةَ في المكانِ. ❪المُؤَلِّف❫.
[2]. أخرجه البخاري❪٤٠٦❫، ومسلم ❪٥٤٧❫.
[3]. أخرجه أبو داود❪٤٧٢٣❫، والترمذي❪٣٣٢٠❫، وابن ماجه❪١٩٣❫، وأحمد ❪٢٠٦/١❫.
*- يُتْبَـعُ إن شَـاء الله -
Tags
العقيدة الصحيحة