فتاوى في العقيدة الصحيحة

 بسم الله الذي عليه يتوكل المتوكلون والصلاة والسلام على شافع الأمة أما بعد: 

🔸كيف يكون الإيمان بالركن الخامس من أركان الإيمان وهو اليوم الآخر؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:**"الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بقيام الساعة،* وسمي يوماً آخر، لأنه ليس بعده يوم، فإن الإنسان كان عدماً، ثم وجد في بطن أمه، ثم وجد في الدنيا، ثم ينتقل إلى البرزخ، ثم يوم القيامة، فهذه أحوال خمس للإنسان، {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان: ١]، هذه الحال الأولى أنه ليس شيئاً مذكوراً، ثم وجد في بطن أمه، ثم خرج {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا} [النحل: ٧٨]، ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل، ثم ينتقل إلى الآخرة في برزخ بين الدنيا وقيام الساعة. *⏪ فالإيمان باليوم الآخر يدخل فيه* -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية- الإيمان بكل ما أخبر به النبي -ﷺ- مما يكون بعد الموت، فيؤمن الإنسان بفتنة القبر، ونعيم القبر وعذابه، ويؤمن بقيام الساعة، بالنفخ في الصور، بالحساب، بالميزان، بالحوض المورود، بكل ما جاء عن النبي -ﷺ-، إما في كتاب الله، أو في سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، مما يكون بعد الموت.🔸ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر، وهي أن الميت إذا دفن أتاه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فأما المؤمن فيثبته الله تعالى بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، وأما غير المؤمن فإنه يقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى يوم القيامة، فمن كان من غير المسلمين، فهو في عذاب إلى يوم القيامة، ومن كان من عصاة المؤمنين، فإنه قد يعذب في قبره لمدة يعلمها الله -عز وجل-، ثم يرفع عنه العذاب، وهذا العذاب أو النعيم يكون في الأصل على الروح، ولكن قد يتألم البدن به، كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن، وقد تتألم النفس فيه ففي الدنيا مثلاً الضرب يقع على البدن، والألم يقع على البدن، والنفس قد تتأثر بذلك، فتحزن وتغتم، أما في القبر فالأمر بالعكس، العذاب أو النعيم يكون على الروح، لكن البدن لا شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم، إما بالفرح بالنعيم، وإما بالألم بالحزن بسبب العذاب.

•أما إذا قامت الساعة، وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون من قبورهم لرب العالمين حفاةً عراةً غرلاً، حفاةً: ليس عليهم ما يقي أقدامهم من نعال أو خفاف أو غيرها، عراةً: ليس على أبدانهم ما يكسوها، غرلاً: أي غير مختونين، فتعود الجلدة التي قطعت في الختان في الدنيا، ليخرج الإنسان من قبره تاماً لا نقص فيه، كما قال الله -تعالى-: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤].*⏪ ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -ﷺ-،* ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار، فمن دخل الجنة فهو مخلد فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فإن كان من العصاة، فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق، إن لم تنله الشفاعة أو رحمة الله -عز وجل-، ولكنه لا يخلد فيها، وأما الكافر فإنه يخلد فيها أبد الآبدين". 

📚[فقه العبادات (ص: ٤٠-٤١-٤٢)].🔸كــيــف يـكــون الإيـمــان بالـقـدر؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*"الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله -ﷺ- لجبريل حين سأله عن الإيمان، والإيمان بالقدر أمر هامٌّ جداً، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد، حتى في عهد النبي -ﷺ-، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس كذلك يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- قد قدّر كل شيءٍ، كما قال الله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: ٢]، وهذا التقدير الذي قدره الله -عز وجل- تابعٌ لحكمته، وما تقتضيه هذه الحكمة من غاياتٍ حميدةٍ، وعواقب نافعةٍ للعباد في معاشهم ومعادهم.⚠️ويدور الإيمان بالقدر على الإيمان بأمور أربعة:*▪️أحدها: العلم، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله -سبحانه وتعالى- قد أحاط بكل شيءٍ علماً، أحاط بكل شيءٍ مما مضى، ومما هو حاضرٌ، ومما هو مستقبلٌ، سواء كان لك مما يتعلق بأفعاله -عز وجل-، أو بأفعال عباده، فهو محيطٌ بها جملةً وتفصيلاً، بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: ٥]، وقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩]... 🔸وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر،* من أنكرها فهو كافرٌ، لأنه مكذبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، وطاعنٌ في كمال الله -عز وجل-، لأن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان، وكلاهما عيب، وقد قال الله -تعالى- عن موسى -عليه الصلاة والسلام- حين سأله فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: ٥١-٥٢]، فهو لا يضل، أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً، ولا ينسى شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى.▪️أما المرتبة الثانية:* فهي الإيمان بأن الله -تعالى- كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإن الله -عز وجل- لما خلق القلم قال له: "اكتب"، قال: ربي، وماذا أكتب؟ قال: "أكتب ما هو كائن"، فجرى في تلك الساعة ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، جملةً وتفصيلاً، فكتب الله -عز وجل- في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء....▪️أما المرتبة الثالثة:* فالإيمان بأن كل ما في الكون، فإنه بمشيئة الله، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله -عز وجل-، سواء كان ذلك مما يفعله هو -عز وجل-، أو مما يفعله الناس، أو بعبارة أعم مما يفعله المخلوق، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: ٢٧]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة} [هود: ١١٨]، وقال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: ١٦]، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله -عز وجل- واقعٌ بمشيئته وكذلك أفعال الخلق واقعةٌ بمشيئته، كما قال الله -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣]، وهذا النص صريحٌ بأن أفعال العبد قد شاءها الله -عز وجل-، ولو شاء الله أن لا يفعل لم يفعل.*▪️أما المرتبة الرابعة في الإيمان بالقدر،* فهي الإيمان بأن الله -تعالى- خالق كل شيءٍ، فالله -عز وجل- هو الخالق، وما سواه مخلوقٌ، فكل شيء الله -تعالى- خالقه، فالمخلوقات مخلوقةٌ لله -عز وجل-، وما يصدر منها من أفعالٍ وأقوالٍ، مخلوق لله -عز وجل- أيضاً، لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته، فإذا كان الإنسان مخلوقاً، كانت الصفات أيضاً مخلوقة لله -عز وجل-، ويدل لذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦]، فنص الله -تعالى- على خلق الإنسان، وعلى خلق عمله، قال {وَمَا تَعْمَلُونَ} وقد اختلف الناس في "ما" هنا: هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوقٌ لله عز وجل". *📚[فقه العبادات( ص:٤٣-٤٦)]🔸مــا هـي ثــمـرات الإيــمــان بالقــدر؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*"الإيمان بالقدر له ثمراتٌ جليلةٌ على سير الإنسان وعلى قلبه،* لأنك إذا آمنت بأن كل شيءٍ بقضاء الله وقدره، فإنك عند السراء تشكر الله -عز وجل-، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سببٌ إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل كله بيد الله -عز وجل-، فتزداد بذلك شكراً لنعمة الله -سبحانه وتعالى-، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به، وألا ترى لنفسك فضلاً على ربك، بل ترى المنة لله -سبحانه وتعلى عليك-، قال الله -تعالى-: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: ١٧]. 🔸كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله -عز وجل-* وتستسلم، ولا تندم على ذلك، ولا يلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». ⏪ فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب*، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:٢٢-٢٣]، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح له الشيطان كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء، ولكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله". 📚[فقه العبادات(ص: ٤٩-٥٠)].🔸هل الإيمان يزيد وينقص؟ وما هي أسباب زيادته وأسباب نقصانه؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*"أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة، إقرار بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، وإذا كان كذلك، فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين، وهكذا. 

🔸أما أسباب زيادة الإيمان فمنها:*•السبب الأول:* معرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه.*•السبب الثاني:* النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات -السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك- ازداد إيماناً، قال الله -تعالى-: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}  [الذريات: ٢٠-٢١]، والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً.

•السبب الثالث:* كثرة الطاعات، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً، سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.🔸أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك:* فالجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان، لأن الإنسان إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.

•السبب الثاني:* الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه.*•الثالث: فعل المعصية،* فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب، وعلى الإيمان، ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».•الرابع: ترك الطاعة،* فإن ترك الطاعة سببٌ لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبةً وتركها بلا عذرٍ، فهو نقصٌ يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبةٍ، أو واجبة لكن تركها لعذر، فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل -ﷺ- النساء ناقصات عقلٍ ودينٍ، وعلّل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورةٌ بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل، صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه".📚[فقه العبادات (ص: ٥٠-٥٣)].🔸مـــــا هـــي الـــكـــهـــانـــــة؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:**"الكهانة فعالةٌ مأخوذةٌ من الكهن،* وهو التخرص والتماس الحقيقة بأمورٍ لا أساس لها، وكانت في الجاهلية صنعة لأقوامٍ تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء، وتحدثهم به، ثم يأخذون الكلمة التي سمعوها بل الكلمة التي نقلت إليهم من السماء بواسطة هؤلاء الشياطين، ويضيفون إليها ما يضيفون من القول، ثم يحدثون بها الناس، فإذا وقع الشيء مطابقاً لما قالوا، اغتر بهم الناس، واتخذوهم مرجعاً في الحكم بينهم، وفي استنتاج ما يكون في المستقبل.

⏪ولهذا نقول:* الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام:🔸القسم الأول:* أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين يوماً، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي -ﷺ- قال: «من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً أو أربعين ليلة».

🔸القسم الثاني:* أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفرٌ بالله -عز وجل-، لأنه صدقة في دعوى علم الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيبٌ لقول الله -تعالى-: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: ٦٥]، وتكذيب خبر الله ورسوله كفرٌ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ». 

🔸القسم الثالث:* أن يأتي للكاهن فيسأله، ليبين حاله للناس وأن ما يفعله كهانة وتمويه وتضليل، فهذا لا بأس به، ودليل ذلك أن النبي -ﷺ- أتى بابن صيادٍ أو أتاه ابن صياد فأضمر له النبي -ﷺ- شيئاً في نفسه، فسأله -أي النبي ﷺ- ماذا خبأ له، فقال: الدخ، يريد الدخان، فقال النبي -ﷺ-: «اخسأ، فلن تعدو قدرك». *🔶هذه أحوال من يأتي إلى الكهان،* وهي ثلاثة، أن يأتي فيسأله بدون أن يصدقه، وبدون أن، يقصد امتحانه وبيان حاله، فهذا محرم، وعقوبة فاعله ألا تقبل له صلاة أربعين ليلة، الثانية: أن يسأله فيصدقه، وهذا كفر بالله -عز وجل-، يجب على الإنسان أن يتوب منه، ويرجع إلى الله -عز وجل-، وإلا مات على الكفر، والحالة الثالثة: أن يأتيه فيسأله ليمتحنه، ويبين حاله للناس، فهذا لا بأس به". 📚[فقه العبادات (ص:🔸ما هــو التّـنــجـيــم ومــا حـكـمــه؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:* *"التنجيم مأخوذٌ من النجم،* وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، بمعنى أن يربط المنجم ما يقع في الأرض أو ما سيقع في الأرض بالنجوم، بحركتها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها وما أشبه ذلك. *⏪ والتنجيم نوعٌ من السحر وهو محرمٌ،* لأنه مبنيٌّ على أوهامٍ لا حقيقة لها، فلا علاقة لما يحدث بالأرض بما يحدث في السماء، ولهذا لما كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت أحدٍ، أي لموت عظيم، فكسفت الشمس في عهد رسول الله -ﷺ- في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم -رضي الله عنه-، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي -ﷺ- الناس حين صلى للكسوف، وقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»، فأبطل النبي -ﷺ- ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، وهو كذلك، وكما أنه -أي التنجيم- بهذا المعنى نوعٌ من السحر، فهو أيضاً سببٌ للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل، فيوقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها🔸هناك نوعٌ آخرٌ من التنجيم:* وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات والأزمنة والفصول، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه، مثل أن يقول: إنه إذا دخل النجم الفلاني فإنه يكون قد دخل موسم الأمطار، أو قد دخل وقت نضوج الثمار، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه". *📚[فقه العبادات (ص: ٦٠)]🔸ما حكم السحر وما حكم تعلمه؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*"تعلم السحر محرمٌ،* بل هو كفرٌ إذا كانت وسيلته الاستعانة بالشياطين، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: ١٠٢].⏪ فتعلم هذا النوع من السحر،* وهو الذي يكون بواسطة الاستعانة بالشياطين كفرٌ، واستعماله أيضاً كفرٌ وظلمٌ وعدوانٌ على الخلق، ولهذا يُقتل الساحر، إما ردةً، وإما حدّاً، فإن كان سحره على وجه يكفر به، فإنه يُقتل قتل ردةٍ وكفرٍ، وإن كان سحره لا يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حدّاً، دفعاً لشره وأذاه عن المسلمين". *📚[فقه العبادات (ص:٦٣)].🔸ما هو الإلحاد في أسماء الله وصفاته؟*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:* 

"الإلحاد في الأصل أي في اللغة العربية:* هو الميل، ومنه قوله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣]، ومنه اللحد في القبر، فإنه سمي لحداً لميله إلى جانب منه. ولا يعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة، لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء. 🔸فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته:* أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله -عز وجل-، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، كما مرّ علينا في القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن خلاف الاستقامة هو الإلحاد. وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله تعالى أنواعاً يجمعها أن نقول: هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها*⏪فالنوع الأول:* أن ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات، مثل أن ينكر اسم الرحمن من أسماء الله كما فعل أهل الجاهلية، أو تثبت الأسماء ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات، كما يقول بعض المبتدعة: " إن الله تعالى رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع، وبصير بلا بصر" وهكذا.⏪النوع الثاني:* أن يسمي الله -تعالى- بما لم يسم به نفسه، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله -سبحانه وتعالى- توقيفيةٌ، فلا يحل لأحد أن يسمي الله -تعالى- باسمٍ لم يسم به نفسه، لأن هذا من القول على الله بلا علم، ومن العدوان على الله -عز وجل- أيضاً، ومن العدوان في حق الله -عز وجل-، وذلك كما صنع الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما صنع النصارى فسموا الله -تعالى- باسم الأب ونحو ذلك.⏪النوع الثالث:* أن يعتقد أن هذه الأسماء دالةٌ على أوصافٍ تماثل أوصاف المخلوقين، فيجعلها دالةً على التمثيل. ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد بأن أسماء الله -سبحانه وتعالى- دالة على تمثيل الله بخلقه فقد جعل كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- دالاً على الكفر، لأن تمثيل الله بخلقه كفر، لكونه تكذيباً لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، ولقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: ٦٥]، قال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري -رحمهم الله-: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما سمى الله ووصف به نفسه تشبيه".⏪النوع الرابع:* أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للأصنام، كاشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان، ووجه كونه إلحاداً أن أسماء الله -عز وجل- خاصة به، فلا يجوز أن تنقل المعاني الدالة عليها هذه الأسماء إلى أحدٍ المخلوقين، ليعطى من العبادة ما لا يستحقه إلا الله -عز وجل-، هذه أنواع الإلحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى".📚[فقه العبادات (ص: ٦٥-٦٦)]

أحدث أقدم

نموذج الاتصال