فتاوى:فتوى في العقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد أما بعد: 

 *🔸 مــا هــو تــعــريــف العــقيــدة لـــغــةً واصــطـــلاحـــاً؟*

✍🏻 قال الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله-:

"أما المـــعــــنى الــــلـــغوي: العقيدة مأخوذةٌ من العقدِ، العقدُ هو الربط والتوثيق، يستعملُ العقدُ أول ما يستعمل في الأَمور الحسية كعقد الحبال والخيوط، ثم استعمل في الأَمور المعنوية كعقد النكاح وعقد البيع وعقود العهود وغير ذلك.

⏪ العقد كما قلنا ضد الحَل، هذا هو المعنى اللغوي.

▪️ والمـــعـــنى الاصــطـــلاحي: مأخوذٌ من هذا المعنى، بمعنى أن العقيدة هي التصميم الجازم الذي لايتطرّق إليه شكٌّ في المطالب الإلهية، وفي النبوات وفي الأَمور الغيبية.

🔶المراد بالمطالب الإلهيةِ: ما يتعلق بالرب -سبحانه وتعالى- بذاتهِ، وأسمائه، وأفعاله، يشمل التوحيد العلمي الخبري، وتوحيد القصد والطلب والعمل، كل ذلك من المطالب الإلهية.

🔸ويدخل في المطالب الإلهية الإيمان بالملائكة، والمراد بالنبوات الإيمان بنبوة الأنبياء، وتصديقهم والإيمان بمعجزاتهم.

🔸ثم الأَمور الغيبية كالبعث بعد الموت، وما يتبع ذلك حتى يدخل العباد في إحدى الدارين الجنة أو النار، أو حتى يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار، هذا يسمى الأَمور الغيبية. 

العقيدة تشمل كل هذا".

🟠 #سلسلة_فتاوى_عقدية (٢).

     *🔸مـــا هي الغــايــة مـــن خَــلـق البـشــر؟*

*✍🏻 قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*

"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

🔸 فإنه قبل أن أجيب على هذا السؤال، أحب أن أنبه على قاعدةٍ عامّةٍ فيما يخلقه الله -عز وجل-، وفيما يشرعه، وهذه القاعدة مأخوذةٌ من قوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم}  [التحريم: ٢]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}  [الأحزاب: ١]، وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله -عز وجل-، فيما يخلقه، وفيما يشرعه، أي في أحكامه الكونية والشرعية. 

⏪ فإنه ما من شيءٍ يخلقه الله -عز وجل- إلا وله حكمةٌ، وسواءٌ كان ذلك في إيجاده أو إعدامه، وما من شيءٍ يشرعه الله -سبحانه وتعالى- إلا لحكمةٍ، سواءً كان ذلك في إيجابه، أو تحريمه، أو إباحته.

•لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي، قد تكون معلومةً لنا، وقد تكون مجهولةً، وقد تكون معلومةً لبعض الناس دون بعضٍ، حسب ما يأتيهم الله -سبحانه وتعالى- من العلم والفهم، إذا تقرر هذا فإننا نقول:

↩️ إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الجن والإنس لحكمةٍ عظيمةٍ، وغايةٍ حميدةٍ، وهي عبادته تبارك وتعالى.

•كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}  [الذاريات: ٥٦]، وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}  [المؤمنون: ١١٥]، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة: ٣٦]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله -تعالى- حكمةٌ بالغةٌ في خلق الجن والإنس، وهي عبادته.*🔸والــــــعــــبــــــادة:* هي التّذلل لله -عز وجل-، محبّةً، وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، على الوجه الذي جاءت به شرائعه، قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}  [البينة: ٥]، فهذه هي الحكمة من خلق الجن والإنس، وعلى هذا فمن تمرّد على ربه، واستكبر عن عبادته، فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق العباد من أجلها، وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى- خلق الخلق عبثاً وسدى، وهو وإن لم يصرح بذلك، لكن هذا مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه".

🟠 #سلسلة_فتاوى_عقدية (٣).

   *🔸هـــــل لــلـــعبــادة مـفـــهـــومٌ عـــــامٌّ، ومــــفــهــــومٌ خــــــاصٌّ؟*

✍🏻جواب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: 

"نعم مفهومها العام كما أشرت إليه آنفاً، بأنها التذلل لله -عز وجل- محبّةً وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، على الوجه الذي جاءت به شرائعه، هذا المفهوم العام.

⏪ والمفهوم الخاص -أعني تفصيلها- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هي اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالخوف، والخشية، والتوكل، والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام".

🔸ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية، أو عبادة شرعية، بمعنى أن الإنسان قد يكون متذللاً لله -سبحانه وتعالى- تذلّلاً كونيّاً وتذلّلاً شرعياً، فالعبادة الكونية عامة، تشمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر، لقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}  [مريم: ٩٣]، فكل ما في السموات والأرض فهو خاضعٌ لله -سبحانه وتعالى- كوناً، لا يمكن أبداً أن يضاد الله، أو يعارضه فيما أراد -سبحانه وتعالى- بالإرادة الكونية.

*🔸وأما العبادة الخاصة:* وهي العبادة الشرعية، وهل التّذلل لله -تعالى- شرعاً، فهذه خاصة بالمؤمنين بالله -سبحانه وتعالى-، القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص، وخاص فوق ذلك.

⏪ فالخاص الأخص كعبادة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، مثل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: ١]، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣]، وقوله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}  [ص: ٤٥]، وغير ذلك من وصف الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بالعبودية".       *- مـــا مـــعـــنى الـــــتـــوحـــيــد؟*

*✍🏻جواب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*

 "التوحيد مصدر وحّد يوحّد، أي جعل الشيء واحداً، وهذا لا يتحقق إلا بنفيٍ وإثباتٍ، نفي الحكم عما سوى الموحّد، وإثباته له، فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، فينفي الألوهية عما سوى الله، ويثبتها لله وحده. 

🔸وذلك أن النفي المحض تعطيلٌ محضٌ، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم، فلو قلت مثلاً: فلانٌ قائمٌ، فهنا أثبتّ له القيام، لكنك لم توحده به لأنه من الجائز أن يشركه غيره في هذا القيام، ولو قلت: لا قائم، فقد نفيت نفياً محضاً، ولم تثبت القيام لأحدٍ، فإذا قلت: لا قائم إلا زيدٌ أو: لا قائم إلا فلانٌ، فحينئذ تكون وحّدت فلاناً بالقيام، حيث نفيت القيام عمن سواه. 

⏪ وهذا هو تحقيق التوحيد في الواقع، أي أن التوحيد لا يكون توحيداً حتى يتضمن نفياً وإثباتاً". 

*📚[فقه العبادات (ص: ٥)].     *🔸 مـــا هــــو تــوحــيــد الـــربـــوبيــة؟*

*✍🏻قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:*

*"توحيد الربوبية:* هو الإيمان بالله بصفات الفعل، كالخلاق والرزاق ومدبّر الأمور ومصرّفها ونحو ذلك، وأن مشيئته نافذةٌ وقدرته كاملةٌ، وهذا هو الذي أقرّ به المشركون، المشركون أقرّوا بأن الله خالقهم ورازقهم ومدبّر أمورهم وأنه خالق السماوات وخالق الأرض، وهو توحيد الله بأفعاله. 

*🔸هذا توحيد الربوبية* بأن تؤمن بأن الله هو الخلاق الرزاق مدبّر الأمور مصرّف الأشياء، الذي خلق كل شيءٍ ودبّر الأمور وصرّفها، وخلق الأنهار والبحار والجبال والأشجار والسماء والأرض وغير ذلك، هذا توحيد الربوبية".

*📚[فتاوى الجامع الكبير].*

*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*

"توحيد الربوبية: وهو إفراد الله -تعالى- بالخلق، والملك، والتدبير، فالله -تعالى- وحده هو الخالق، لا خالق سواه قال الله -تعالى-: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَه إلا هو} [فاطر: ٣]، وقال -تعالى- مبيّناً بطلان آلهة الكفار: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: ١٧]، فالله -تعالى- وحده هو الخالق، خلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً. 

🔸وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله -تعالى- خالقٌ لأفعال العباد، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦]".

*📚[فقه العبادات (ص: ٦)]مـــا هـــو تــوحــيـــد الألـــوهــــيــة؟*

✍🏻قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: 

*"أما توحيد الألوهية:* فهو توحيد الله بأفعالك أنت، تخصه بالعبادة دون كل ما سواه، من صلاة وصوم ودعاء ونذر وزكاة وحج وغير ذلك، توحيد الألوهية هو معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود حق إلا الله، وهو أن تخص ربك بأفعالك بعباداتك بقرباتك لا تدعو مع الله إلهًا آخر، لا تعبد معه سواه من شجر أو حجر أو صنم أو نبي أو ولي فلا تدعو غير الله، لا تقول يا سيدي البدوي اشفني، أو يا رسول الله اشفني أو عافني أو انصرني، أو يا فلان أو يا فلان من الأولياء أو من غير الأولياء من الأموات أو من الأشجار والأحجار والأصنام، هذا الشرك الأكبر.

🔸فتوحيد العبادة معناه:* أن تخص العبادة لله وحده، ويقال له توحيد الإلهية، والإلهية هي العبادة، معناه أن يخص الله بالعبادة دون كل ما سواه، وهذا هو معنى قوله -سبحانه-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: ٥]. 

وقوله -سبحانه-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]

⏪ معناه أن يخصوا الله بالعبادة بصلاتهم وصومهم ودعائهم واستغاثتهم وجهادهم كله لله وحده، هذا يسمى توحيد العبادة، ويسمى توحيد الإلهية، وهذا أنكره المشركون وأَبَوْه، ولما قال: «قولوا لا إله إلا الله» أبَوْا واستنكروها وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٥]، فاستنكروا ذلك وأصرّوا على كفرهم وضلالهم وهم يقولون: الله الخالق الرّازق المدبّر، يقولون هذا ولكن مع ذلك لم يخضعوا لتوحيدهم العبادة، فلهذا صاروا كافرين، وقاتلهم النبي -ﷺ- واستحل دماءهم وأموالهم لكفرهم وعدم إذعانهم بتوحيد الإلهية".

*📚[فتاوى الجامع الكبير]مـــا هــو تــوحــيـد الأسمــاء والصــفـات؟

*✍🏻قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:*

*"وهناك توحيدٌ ثالثٌ،* وهو توحيد الأسماء والصفات، وهو: الإيمان بأسماء الله وصفاته كلها التي جاءت في القرآن والتي صحت بها السنة عن النبي -ﷺ-، لابدّ من الإيمان بها كلها وإثباتها بأنه العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، وأنه يرضى ويغضب ويتكلم إذا شاء -سبحانه وتعالى-، جميع صفاته في القرآن والسنة لابدّ من الإيمان بها وإثباتها لله -سبحانه وتعالى-، وهذا يسمى توحيد الأسماء والصفات. 

⏪والإيمان بأن الله واحدٌ في ذاته، واحدٌ في أسمائه وصفاته، لا شريك له، ليس له شريكٌ يخلق أو يرزق أو يرحم العباد حتى يدخلهم الجنة وينجيهم من النار، وليس له شريكٌ في القدرة وأنه قادرٌ على كل شيءٍ، بل هو منفردٌ بهذا -سبحانه وتعالى- فليس له شريكٌ في إلهيته ولا في أسمائه وصفاته ولا في ربوبيته سبحانه وتعالى.

*•فهو الواحد في الربوبية،* هو الواحد في الإلهية، هو الواحد في الأسماء والصفات، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:٧٤].

فأسماؤه كلها حسنى،* وصفاته كلها علا وكلها حقٌّ له ثابتٌ، وهو -سبحانه وتعالى- موصوفٌ بها حقًا لا مجازًا، فيجب إثباتها لله وإمرارها كما جاءت والإيمان بها، وأنها حقٌّ لائقةٌ بالله -سبحانه وتعالى-، وأنه -سبحانه وتعالى- ليس كمثله شيءٌ في ذلك، وهو السميع البصير سبحانه وتعالى"

*📚[فتاوى الجامع الكبير].ما حكم صرف شيءٍ من أنواع العبادة لغير الله، كالذبح لغيره سبحانه؟

*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:* 

*"إن توحيد العبادة إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالعبادة،* بأن لا يتعبد أحدٌ لغير الله -تعالى- بشيءٍ من أنواع العبادة، ومن المعلوم أن الذبح قربةٌ يتقرب به الإنسان إلى ربه، لأن الله -تعالى- أمر به في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢]. 

وكل قربةٍ فهي عبادةٌ، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له، وتذلّلاً، وتقرّباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه -عز وجل-، كان مشركاً بالله -سبحانه وتعالى-، وإذا كان مشركاً فإن الله -تعالى- قد بين أن المشرك حرّم الله عليه الجنة وأن مأواه النار.

⏪ وبناءً على ذلك نقول: إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور -قبور الذين يزعمونهم أولياء- شركٌ مخرج عن الملة، ونصيحتنا لهؤلاء: أن يتوبوا إلى الله -عز وجل- مما صنعوا، وإذا تابوا إلى الله، وجعلوا الذبح لله وحده، كما يجعلون الصلاة لله وحده، والصيام لله وحده، فإنهم يغفر لهم ما قد سبق، كما قال الله -تعالى-: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [لأنفال: ٣٨]، بل إن الله -سبحانه وتعالى- يعطيهم فوق ذلك، فيبدل الله سيئاتهم حسنات، كما قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: ٦٨-٧٠]. فنصيحتي لهؤلاء الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم، أن يتوبوا إلى الله -تعالى- من ذلك، وأن يرجعوا إليه، وأن يبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان، فإن الله -سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة التائبين". 

*📚[فقه العبادات (ص: ١٧-١٨)]

🔸ما معنى شهادة أن "لا إلـــــه إلا الـــــلــــه"؟*

*✍🏻قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:*

"الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، هما مفتاح الإسلام، ولا يمكن الولوج إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي -ﷺ- معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

*➖فأما الكلمة الأولى:* وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه، بأنه لا معبود إلا الله -عز وجل-، لأن إله بمعنى مألوه، والتأله: التعبد، والمعنى: أنه لا معبود إلا الله -تعالى- وحده.

⏪وهذا الجملة تشتمل على نفيٍ وإثباتٍ، فأما النفي ففي قوله "لا إله"، وأما الإثبات ففي قوله: "إلا الله"، و"الله" بدل من الخبر المحذوف خبر "لا" لأن التقدير: "لا إله حق إلا الله"، فهو إقرارٌ باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل-، وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده، ونفي العبادة عما سواه. 

•وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق"، يتبين الجواب عن الإشكال الذي (يورده) كثير من الناس وهو كيف تقولون: "لا إله إلا الله" مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله، سماها الله آلهةً، وسماها عابدوها آلهةً، فقال الله -تبارك وتعالى-: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: ١٠١]، وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الإسراء: ٣٩]، وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [القصص: ٨٨]، فكيف يمكن أن نقول "لا إله إلا الله"، مع ثبوت الألوهية لغير الله -عز وجل-، وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله، والرسل يقولون لأقوامهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٥٩]؟والجواب على هذا الإشكال: يتبين بتقدير الخبر في " لا إله إلا الله" فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة، لكنها آلهةٌ باطلةٌ، ليست آلهةً حقّةً، وليس لها من حق الألوهية شيءٌ، ويدل لذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: ٣٠]، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: ١٩-٢٣]، وقوله تعالى عن يوسف -عليه الصلاة والسلام-: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: ٤٠].

• إذن فمعنى لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله -عز وجل-، فأما المعبودات سواه، من الرسول، أو الملائكة، أو الأولياء، أو الأحجار، أو الأشجار، أو الشمس، أو القمر، أو غير ذلك فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقةً، أي ألوهيةٌ باطلةٌ، بل الألوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل".

*📚[فقه العبادات (ص: ١٩-٢٠)]

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والحمدلله رب العالمين. 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال