الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
[موجبات الغسل
(أسبابه)]
أبيات من متن ابن عاشر رحمه الله:
موجبه حيض نفاس إنزال .... مغيب كمرة بفرج أسجال .
الشرح:
قوله: (موجبه ......إلى قوله أسجال ):لما ذكر فرائض الغسل وسننه ومستحباته شرع في بيان موجباته -بكسر الجيم .أي أسبابه ، فذكر أربعة:
الأولى والثاني-انقطاع دم الحيض والنفاس :فقوله: (حيض نفاس )على حذف مضاف ، أي انقطاعهما .
الثالث -الإنزال: وهو خروج المني المقارن للذة المعتادة، فإن خرج بغير لذة أصلا ، كمن ضرب ، أو لدغته عقرب فأمنى ، أو خرج للذة لكن غير معتادة ، كمن حك لجرب أو ركب دابة فأمنى ، فلا غسل عليه بل يتوضأ فقط فإن خرج للذة معتادة لكن بعد ذهابها جملة ، فالمشهور وجوب الغسل .
الرابع-مغيب الحشفة : وتسمى الكمرة وهي رأس الذكر في فرج آدمي أو غيره ، أنثى أو ذكر حي أو ميت ، بإنعاظ أن لا ، في قبل أو دبر ، وإلى هذا التعميم في مغيب الشفة أشار بقوله: (أسجال )إذ هو مصدر أسجل ، أذ أطلق وأرسل، ولم يقيد .
وقد عد ابن الحاجب موجبات الغسل أربعة:
الأول الجنابة: وهي أما بخروج المني المقارن للذة المعتادة وإما بمغيب الحشفة في الفرج .
الثاني :انقطاع دم الحيض والنفاس .
الثالث الموت: وسيأتي للناظم في محله .
الرابع الإسلام: لأنه جنب على المشهور .
ولم يصرح الناظم بالرابع لاندراجه في الجنابة بالانزال أو بمغيب الحشفة ، بناء على المشهور من أن غسل الكافر إذا أسلم للجنابة لا لتعبد ، وعلى المشهور لو أسلم قبل أن يجب عليه غسل فلا غسل عليه. أنظر الكبير
فقد ذكرنا فيه في هذا المحل فروعا حياة تتعلق بموجبات الغسل، وذكرنا أيضا ثلاثة فصول :الأولى في تعريف الحيض والنفاس، والثاني في معرفة قدرهما ولد. الطهر وعلامته ، والثالث في تقسيم النساء إلى مبتدأ ومعتادة وحامل ، ثم فروعا حسنة تتعلق بذالك .
[مايمنعه الأحدث الأكبر ]
والأولان منعا الوطء إلى .... غسل والاخران قرأنا جلا
والكل مجسدا وهو والاغتسال .... مثل وضوئك ولم تعد موال
الشرح:
قوله: (والأولان ..... إلى قوله: ولم تعد موال ):ذكر في البيت الأول وبعض الثاني بعض م انع الحدث الأكبر، فأخبر أن الحيض والنفاس -وهما اللذان يعني بالأولين لتصديره بهما في البيت قبل هذين-يمنعان الوطء ، ويستمر المنع منه إلى أن تغتسل ، فلا يجوز وطء الحائض والنفاس حالة جريان الدم اتفاقا، ولا بعد انقطاعه وقبل الاغتسال على المشهور، وأخبر أيضا أن الإنزال ومغيب الحشفة -وهما اللذان يعني بالآخرين-يمنعان قراءة القرآن ، يريد ويستمر المنع إلى الاغتسال أيضا وهذا هو المشهور .
ويقرأ الآخران بمد الهمزة وكسر الخاء من خير ياء بعدها ، والنقل للوزن وجملة (جلا)صفة (قرآنا ). وفهم من كلامه أن الحيض والنفاس لايمنع القراءة، وهو كذالك على المشهور، وأن الإنزال ومغيب الحشفة لايمنعان الوطء ، وهو كذالك. ثم أخبر أن الكل من الحيض والنفاس والإنزال ومغيب الحشفة يمنع من دخول المسجد.
والحاصل أن المسجد يمنع الكل ،والوكء يمنع الحيض والنفاس دون الجنابة، وقراءة القرآن تمنعها الجنابة دون الحيض والنفاس.
وقوله: (وهو الاغتسال )إلى آخره ، يريد أن حكم السهو في الغسل كالسيوم في الوضوء الافي صورة واحدة ، وهي إن ترك لمعة من غسله ثم تذكرها بالقرب، فإنه يغسلها ولايعيد ماقبلها ، وهو المعبر عنه بالموالي كما نبه عليه بقوله: (ولم تعد موال )، أما إن لم يذكرها الا بعد طول ، فإنه يغسلها فقط كما في الوضوء، وأن ام يتذكر حتى صلى فعل المنسي وأعاد الصلاة ،وقد تقدم هذا المعنى في شرح قوله:(ذاكر فرضه بطول يفعله )البيتين فراجعه إن شئت.
و(تعد)بضم له مضارع أعاد، فلما جزم بلم حذفت ياؤه لاجتماع ساكنين. و (موال ) مفعوله أصله مواليان فحذفت الألف على لغة ربيعة ، ثم حذفت الياء تخفيفا. ونون اللام ، ثم وقف عليه بالسكون، ولو قرئ بالياء المثناه من تحت ، مبنيا لنائب ، وموال لكان أسهل.
باب: [التيمم]
فصل لخوف ضر أو عدم ما . ..... عوض من الطهارة التيمما
وصل فرضا واحدا وان تصل ...... جنازة وسنة به يحل
وحاز للنفل ابتدا ويستبيح .....الفرض لا الجمعة حاضر صحيح
[تعريف التيمم ]
قوله: (فصل لخوف ......إلى قوله: التيمما) ذكر في هذا الفصل التيمم وأحكامِه .
والتيمم في اللغة : القصد ، قال تعالى: (ولاتيمموا الخبيث ) أي لاتقصدوه.
وفي الشرع: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين ليستباح بها مامنعه الحدث قبل فعلها عند العجز عن الماء. انظر الكبير .
وكلام الناظم في التيمم دائر على ستة فصول :الفصل الأول في السبب الناقل عن الماء إلى التيمم ، الفصل الثاني مايفعل بالتيمم ، الفصل الثالث مايتيمم له وما لايتيمم له ، الفصل الرابع في فرائضه وسننه ومستحباته، الفصل الخامس في وقت التيمم وهو من جملة الفرائض، الفصل السادس فيما ينقض التيمم وما لاينقضه لكن تعاد الصلاة معه في الوقت.
فأشار بهذا البيت إلى الفصل الأول وأمرك أن تعوض التيمم من الطهارة بالماء أي تجعله بدلا منها ، أما لخوف ضر يلحقك في استعمال الماء، أو لعدم وجود الماء أصلا ، ولا فرق في الطهارة التي يعوض عنها التيمم بين الكبرى والصغرى ، غدفكما يتيمم المحدث الحدث الأصغر لما ذكر من خوف ضر أو عدم ماء، فكذلك يتمم المحدث الحدث الأكبر لجنابة أو حيض أو نفاس للخوف مما ذكر .
[أسباب التيمم(الأعذار للتيمم )]
[فقد القدرة على استعمال الماء ]:
فيتامينات لخوف حدوث مرض أو زيادته إن كان حاصلا أو تأخر البرء .ابن وهب(ويتمم البمطون إذا كان لايقدر على الوضوء، وكذلك المار في البحر، ولو كان الماء معهما إذا لم يقدرا على الوضوء به ،لضعفهما أو لضرر الماء بهما ).ابن القصار (ويتيمم الصحيح إذا خاف نزلة أو حمى)، وكذا يتمم مريض يقدر على الوضوء والصلاة قائما ، فحضرت الصلاة وهو في عرقه وخاف أن قام جف عرقه ودامت علته ، فيتيمم ويصلي للقبلة إيماء ، فإن خرج الوقت قبل زوال عرقه لم يعد ، وكذا يتيمم من عنده ماء أن توضأ به خاف العطش ، سواء خاف الموت أو الضرر.
وكذا يتيمم لخوف عطش حيوان غير آدمي . ابن الحاجب: (وكظن عطشه عطش من معه من آدمي أو دابة )اه .فإذا كان معه كلب أو خنزير فإنه يقتلهما ولا يدع الماء لأجلهما .
ويتيمم من خاف على نفسه من لصوص أو سباع اتفاقا ، وكذا من خاف على ماله هدعلى المشهور. وهذا مايتعلق بالسبب الأول في كلام الناظم وهو خوف الضرر.
[فقد الماء ]:
وأما ما يتعلق بالسبب الثاني (وهو عدم الماء )فإن تحقق عدمه تيمم من غير طلب ، إذا طلب مايتحقق عدمه عبث، وإن لم يتحقق عدمه :
فإن تحقق وجوده أو ظنه أو شك فيه أو توهمه ، فيجب عليه أن يطلبه، فإن طلبه ولم يجده تيمم . والب يختلف فليس من ظن عدم الماء كمن شك ، ولا الشاك كالمتوهم بل طلب الأول أقوى من الثاني، وطلب الثاني أقوى من الثالث، وليس الناس أيضا في القوة والضعف سواء ، فليس الرجل كالمراة غالبا ولاالشاب كالشيخ ، فالواجب على كل أحد أن يطلب الماء طلبا لايشق بمثله . قال مالك : (من الناس من يشق عليه نصف الميل ).
وكذا يتيمم من وجد ماء لايكفيه لطهارته، وكذا المريض الذي يقدر على استعمال الماء ولا يجد من يناله إياه، وكذا من وجد ماء في بئر مثلا ولم يجد الآلة التي توصله إليه كالحبل والدلو. وقد ذكرنا من هذا المعنى في هذا المحل من الشرح الكبير فروعا عدة فراجعها إن شئت .
[مايفعل بالتيمم الواحد ]
قوله : (وصل ......إلى قوله: به يحل ):ذكر في هذا البيت الفصل الثاني (وهو مايفعل بالتيمم )فإن من يتيمم للفرض أن لايصلي بذالك التيمم إلافرضا واحدا ، وهو المتيمم له ، فإن صلاه جاز له وحل له أن يصلي بذالك التيمم على الجنازة ، وإن يصلي به سنة غير صلاة الجنازة كااوتر لمن تيمم للعشاء وصلاها إذا كان ذالك متصلا بالغ ض الذي تيمم له .
وظاهر كلام الناظم وغيره أن هذا الحكم عام للمريض وللمسافر والحاضر الصحيح، وإن كل واحد منهم يجوز له أن ينفع بتيمم الفرض بعده ، خلاف لمن خصص ذالك بالأولين دون الحاضر الصحيح كما يأتي.
ف(تصل)بفتح التاء وكسر الصاد مضارع وصل ، وضمير (به)للفرض .
وفهم من قوله :(وإن تصل )تأخير السنة على الفريضة زيادة على الاتصال المصرحب به ، فيشترط اتصال إحدى الصلاتين بالأخرى ، ويشترط تقدم الفرض فتكون السنة تبعا له ، واذا جاز له إيقاع السنة تباعا للفرض فأحرى أن يجوز مادونها تباعد له كالرغيبة والنافلة .
فإن صلى فريضتين بتيمم واحد بطلت الثانية منهما ولو كانتا مشتركتي الوقت كالظهر والعصر على المشهور، وفي تعليل ذالك ثلاثة أقوال حكاها ابن الحاجب.
وإن صلى الفرض وطال لم يصل النافلة بتيمم الفرض ، لأن اتصال التيمم بالصلاة شرط .
وإن تيمم للفرض فتنفل قبله كما لو صلى الفجر بتيمم الصبح ثم صلى الصبح، ففي الموازنة : أعادا أبدا-ثم قال -هذا خفيف وارى أن يعيد في الوقت .
فرع. وأما من تيمم لنافلة فلايجوز أن يصلي به الفريضة، فإن فعل ففي التوضيح عن الموازنة :(من تيمم لنافلة أو لقراءة في مصحف ثم صلى مكتوبة أعاد أبدا )، وقال سحنون عن ابن القاسم فيمن تيمم لركعتي الفجر فصلى به الصبح ، أو تيمم لنافلة فصلى به الظهر :( إنه يعيد في الوقت ).
[مايتيمم له وما لايتيمم له ]:
قوله: (وجاز ... إلى قوله: صحيح):هذا هو الفصل الثالث من فصول التيمم -كما مر وهو مايتيمم له وما لايتيمم له ، فاخبر أنه يجوز التيمم للنافلة ابتداء (اي استقلالا) واحترز به من إيقاع النفل بتيمم الفرض تبعا له ، فقد تقدم في البيت قبل هذا وأخبر أيضًا أن الحاضر الصحيح إذا عدم الماء-كالمسجون مثلا-إنما يستبيح بالتيمم (أي استقلالا)الأن الكلام فيه ماعدا الجمعة من الفرائض، أما الجمعة والنوافل فلا يتيمم لهما ، وما ذكره من جواز التيمم
للنافلة استقلالا إنما هو -على المشهور-في حق المريض والمسافر لأنهما محل النص في التيمم وأما الحاضر الصحيح فلا يتيمم للنوافل استقلالا، وإنما يصليها بالتبع للفرض-كما تقدم في البيت قبل هذا-ويدل لهذا التقييد قوله: (ويستبيح الفرض لاالجمعة حاضر صحيح)حيث حكم بأن الحاضر الصحيح لايستبيح بالتيمم إلابالجمعة من الفرائض، ففهم منه أنه لايستبيح بالتيمم استقلالا الجمعة ولا النوافل وإذا كان كذالك فجواز التيمم للنافلة استقلالا-المقدم صدر هذا البيت -إنما هو لغير الحاضر الصحيح من مريض أو مسافر.
أما الجمعة فقال أشهب:(لايتيمم لها فإن فعل لم يجزئه)قال في التوضيح: (وهو ظاهر المذهب)، وحكى ابن القصار وغيره أنه يتيمم لها .
وأما النوافل بحسب التبع له كما مر وقيل انه كالمسافر والمريض فيتيمم للفرائض والنوافل، واستظهره ابن عبد السلام، وقيل : لايتنفل بتيمم الفرض الا المريض والمسافر، أما الحاضر الصحيح فلايتنفل بتيمم الفرض كما لايتيمم للنافلة استقلالا، حكاه بعض شراح المختصر ، وعليه الفرض فيقيد قول الناظم في البيت قبل هذا (وإن تصل ، جنازة وسنة به يحل ) بالمريض والمسافر دون الحاضر الصحيح، والله أعلم.
و(الفرض)في النظم مفعول يستبيح، والجمعة بسكون الميم عطف عليه ، وعليه فاعل يستبيح.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والحمدلله رب العالمين